الأحد، 1 مايو 2022

كتاب : منازل السائرين عبد الله الأنصاري الهروي


كتاب : منازل السائرين عبد الله الأنصاري الهروي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد القيوم الصمد اللطيف القريب الذي أمطر سرائر العارفين كرائم الكلم من غمائم الحكم وألاح لهم لوائح القدم في صفائح العدم ودلهم على أقرب السبل إلى المنهاج الأول وردهم من تفرق العلل إلى عين الأزل وبث فيهم ذخائره

وأودعهم سرائره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأول الآخر الظاهر الباطن الذي مد ظل التلوين على الخليفة مدا طويلا ثم جعل شمس التمكين لصفوته عليه دليلا ثم قبض ظل التفرقة عنهم إليه قبضا يسيرا وصلاته وسلامه على صفيه الذي أقسم به في إقامة حقه محمد وآله كثيرا وبعد فإن جماعة من الراغبين في الوقوف على منازل السائرين إلى الحق عز اسمه من الفقراء من أهل هراة والغرباء طال علي مسألتهم إياي زمانا أن أبين لهم في معرفتها بيانا يكون على معالمها عنوانا

فأجبتهم بذلك بعد استخارتي الله واستعانتي به وسألوني أن أرتبها لهم ترتيبا يشير إلى تواليها ويدل على الفروع التي تليها وأن أخليه من كلام غيري وأختصره ليكون ألطف في اللفظ وأخف للحفظ
وإني خفت أني إن أخذت في شرح قول
أبي بكر الكتاني إن بين العبد والحق ألف مقام من نور وظلمة
طولت علي وعليهم
فذكرت أبنية تلك المقامات التي تشير إلى تمامها وتدل على مرامها وأرجو لهم بعد صدق قصدهم ما
قال أبو عبيد البسري إن لله عبادا يريهم في بداياتهم ما في نهاياتهم
ثم إني رتبته لهم فصولا وأبوابا يغني ذلك الترتيب عن التطويل المؤدي إلى الملال ويكون مندوحة عن التسآل فجعلته مائة مقام مقسومة على عشرة أقسام
وقد قال الجنيد قد ينقل العبد من حال إلى حال أرفع منها

وقد بقي عليه من التي نقل عنها بقية فيشرف عليها من الحالة الثانية فيصلحها
وعندي أن العبد لا يصح له مقام حتى يرتفع عنه ثم يشرف عليه
فيصححه واعلم أن السائرين في هذه المقامات على اختلاف مفظع لا يجمعهم ترتيب قاطع ولا يقفهم منتهى جامع
وقد صنف جماعة من المتقدمين والمتأخرين في هذا الباب تصانيف عساك لا تراها أو أكثرها على حسنها مغنية كافية
منهم من أشار إلى الأصول ولم يف بالتفصيل ومنهم من جمع الحكايات ولم يلخصها تلخيصا ولم يخصص النكتة تخصيصا ومنهم من لم يميز بين مقامات الخاصة وضرورات العامة ومنهم من عد شطح المغلوب مقاما وجعل بوح الواجد ورمز المتمكن شيئا عاما وأكثرهم لم ينطق عن الدرجات
واعلم أن العامة من علماء هذه الطائفة والمشيرين إلى هذه الطريقة اتفقوا على أن النهايات لا تصح إلا بتصحيح البدايات كما أن الأبنية لا تقوم إلا على الأساس
وتصحيح البدايات هو إقامة الأمر على مشاهدة الإخلاص ومتابعة السنة

وتعظيم النهي على مشاهدة الخوف ورعاية الحرمة والشفقة على العالم ببذل النصيحة وكف المؤنة ومجانبة كل صاحب يفسد الوقت وكل سبب يفتن القلب
على أن الناس في هذا الشأن ثلاثة نفر
رجل يعمل بين الخوف والرجاء شاخصا إلى الحب مع صحبة الحياء فهذا هو الذي يسمى المراد ورجل مختطف من وادي التفرق إالى وادي الجمع وهو الذي يقال له المراد ومن سواهما مدع مفتون مخدوع وجميع هذه المقامات تجمعها رتب ثلاث
الرتبة الأولى أخذ القاصد في السير
الرتبة الثانية دخوله في الغربة
الرتبة الثالثة حصوله على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد في طريق الفناء
وقد اخبرنا في معنى الرتبة الأولى الحسين بن محمد بن علي الفرائضي قال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حسنوية قال أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال
حدثنا محمد بن بشر هو العبدي قال
حدثنا عمر بن راشد عن يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيروا سبق المفر دون قالوا يا رسول الله وما المفر دون قال
المهتزون الذين يهتزون في ذكر الله عز و جل يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا
وهذا حديث حسن
لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن راشد اليماني وخالف محمد بن يوسف الفريابي فيه محمد بن بشير العبدي فرواه عن عمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء مرفوعا
والحديث إنما هو لأبي هريرة
رواه بندار بن بشار عن صفوان بن عيسى عن بشير بن رافع اليماني إمام أهل نجران ومفتيهم عن ابي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مرفوعا
وأحسنها طريقا وأجودها سندا حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ص صلى الله عليه و سلم وهو مخرج في صحيح مسلم
وروى هذا الحديث أهل الشام عن أبي أمامة مرفوعا
قال في كلها سبق المفر دون
وأخبرنا في معنى الدخول في الغربة حمزة بن محمد بن عبد الله الحسيني قال حدثنا أبو القاسم عبدالواحد بن احمد الهاشمي الصوفي قال سمعت أبا عبد الله علان بن زيد الدينوري الصوفي بالبصرة قال سمعت جعفر

الخلدي الصوفي يقول سمعت الجنيد قال سمعت السري عن معروف الكرخي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه عن رسول الله ص صلى الله عليه و سلم قال طلب الحق غربة
وهذا حديث غريب ما كتبته إلا من رواية علان
وأخبرنا في معنى الحصول على المشاهدة محمد بن علي بن الحسين الباشاني رحمه الله قال حدثنا محمد بن اسحاق القرشي قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارامي قال حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن مطر الوراق عن أبي بريدة عن يحيى بن يعمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب في حديث سؤال جبرائيل رسول الله ص صلى الله عليه و سلم قال ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
وهذا حديث صحيح غريب أخرجه مسلم في الصحاح وهذا الحديث إشارة جامعة لمذهب هذه الطائفة
وإني مفصل لك درجات كل مقام منها لتعرف درجة العامة منه ثم درجة السالك ثم درجة المحقق

ولكل منهم شرعة ومنهاج ووجهة هو مولاها قد نصب له علم هو له مبعوث واتيح له غاية هو إليها محثوث وإني أسأل الله أن يجعلني في قصدي مصحوبا لا محجوبا وأن يجعل لي سلطانا مبينا
إنه سميع قريب
واعلم أن الأقسام العشرة التي ذكرتها في صدر هذا الكتاب هي قسم البدايات ثم قسم الأخلاق ثم قسم الأحوال ثم قسم الأبواب ثم قسم الأصول ثم قسم الولايات ثم قسم النهايات ثم قسم المعاملات ثم قسم الأودية ثم قسم الحقائق
قسم البدايات فأما قسم البدايات فهو عشرة أبواب وهي اليقظة والتوبة والمحاسبة والإنابة والتفكر والتذكر والاعتصام والفرار والرياضة والسماع
باب اليقظة قال الله عز و جل
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله القومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة والنهوض من ورطة الفترة
وهي أول ما يستنير قلب العبد بالحياة لرؤية نور التنبيه
واليقظة هي ثلاثة أشياء

الأول لحظ القلب إلى النعمة
على الإياس من عدها ... والوقوف على حدها والتفرع إلى معرفة المنة بها ... والعلم بالتقصير في حقها
والثاني مطالعة الجناية
والوقوف على الخطر فيها ... والتشمر لتداركها والتخلص من ربقها ... وطلب النخاة بتمحيصها
والثالث الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان في الأيام
والتنصل عن تضييعها ... والنظر إلى الضن بها ليتدارك فائتها ... ويعمر باقيها
فأما معرفة النعمة فإنها تصفو بثلاثة أشياء بنور العقل وشيم برق المنة والاعتبار بأهل البلاء
وأما مطالعة الجناية فإنها تصح بثلاثة أشياء بتعظيم الحق ومعرفة النفس وتصديق الوعيد
وأما معرفة الزيادة والنقصان في الأيام فإنها تستقيم بثلاثة أشياء بسماع العلم

وإجابة دواعي الحرمة وصحبة الصالحين وملاك ذلك كله خلع العادات

باب التوبة قال الله عز و جل ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون فأسقط اسم الظلم عن التائب
والتوبة لا تصح إلا بعد معرفة الذنب وهي أن تنظر في الذنب إلى ثلاثة أشياء إلى انخلاعك من العصمة حين إتيانة وفرحك عند الظفر به وقعودك على الإصرار عن تداركه مع يقينك بنظر الحق
إليك وشرائط التوبة ثلاثة أشياء الندم والاعتذار والإقلاع وحقائق التوبة ثلاثة أشياء تعظيم الجناية واتهام التوبة وطلب إعذار الخليقة
وسرائر حقيقة التوبة ثلاثة أشياء

تمييز التقية من العزة ونسيان الجناية والتوبة من التوبة أبدا لأن التائب داخل في الجميع من قوله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا فأمر التائب بالتوبة
ولطائف سرائر التوبة ثلاثة أشياء أولهما أن تنظر بين الجناية والقضية فتتعرف مراد الله فيها إذ خلاك وإتيانها فإن الله عز و جل إنما يخلى العبد والذنب لأحد معنيين أحدهما أن تعرف عزته في قضائه وبره في ستره وحلمه في إمهال راكبه وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته والثاني ليقيم على العبد حجة عدله فيعاقبه على ذنبه بحجته
واللطيفة الثانية أن تعلم أن طلب البصير الصادق سيئته لم يبق له حسنة بحال لأنه يسير بين مشاهدة المنة وتطلب عيب النفس والعمل واللطيفة الثالثة أن مشاهدة العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم

فتوبة العامة لاستكثار الطاعة فإنه يدعو إلى ثلاثة أشياء إلى جحود نعمة الستر والإمهال ورؤية الحق على الله والاستغناء الذي هو عين الجبروت والتوثب على الله
وتوبة الأوساط من استقلال المعصية وهو عين الجرأة والمبارزة ومحض التزين بالحمية والاسترسال للقطيعة وتوبة الخاصة من تضييع الوقت فإنه يدعو إلى درك النقيصة ويطفئ نور المراقبة ويكدر عين الصحبة
ولا يتم مقام التوبة إلا بالانتهاء إلى التوبة مما دون الحق ثم رؤية علة تلك التوبة ثم التوبة من رؤية تلك العلة
باب المحاسبة قال الله عز و جل اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وإنما يسلك طريق المحاسبة بعد العزيمة على عقد التوبة والعزيمة لها ثلاثة أركان
أحدها أن تقيس بين نعمته وجنايتك وهذا يشق على من ليس له ثلاثة أشياء نور الحكمة وسوء الظن بالنفس وتمييز النعمة من الفتنة
والثاني تمييز ما للحق عما لك أو منك فتعلم أن الجناية عليك حجة والطاعة عليك منة والحكم عليك حجة ما هو لك معذرة
والثالث أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك ولا تضع ميزان وقتك من يديك

باب الإنابة قال الله عز و جل وأنيبوا إلى ربكم

الإنابة ثلاثة أشياء
الرجوع إلى الحق إصلاحا ... كما رجع إليه اعتذارا ... والرجوع إليه وفاء ... كما رجع إليه عهدا ... والرجوع إليه حالا ... كما رجع إليه إجابة
وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء بالخروج من التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات
وإنما يستقيم الرجوع إليه وفاء بثلاثة أشياء بالخلاص من لذة الذنب وبترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفا عليهم مع الرجاء لنفسك وبالاستقصاء في رؤية علل الخدمة وإنما يستقيم الرجوع إليه حالا بثلاثة أشياء بالإياس من عملك ومعاينة اضطرارك وشيم برق لطفه بك

باب التفكر قال الله عز و جل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما

نزل إليهم ولعلهم يتفكرون إعلم أن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية
وهو ثلاثة أنواع فكرة في عين التوحيد وفكرة في لطائف الصنعة وفكرة في معاني الأعمال والأحوال
فأما الفكرة في عين التوحيد فهي اقتحام بحر الجحود لا ينجى منه إلا الاعتصام بضياء الكشف والتمسك بالعلم الظاهر
وأما الفكرة في لطائف الصنائع فهي ماء يسقي زرع الحكمة
وأما الفكرة في معاني الأعمال والأحوال فهي تسهل سلوك طريق الحقيقة
وإنما يتخلص من الفكرة في عين التوحيد بثلاثة أشياء بمعرفة عجز العقل

وبالإياس من الوقوف على الغاية وبالاعتصام بحبل التعظيم
وإنما تدرك لطائف الصنائع بثلاثة أشياء بحسن النظر في مبادئ المنن والإجابة لدواعي الإشارات وبالخلاص من رق الشهوات
وإنما يوقف بالفكرة على مراتب الأعمال والأحوال بثلاثة أشياء باستصحاب العلم واتهام المرسومات ومعرفة مواقع الغير

باب التذكر قال الله عز و جل وما يتذكر إلا من ينيب التذكر فوق التفكر فإن التفكر طلب والتذكر وجود
وأبنية التذكر ثلاثة أشياء

الانتفاع بالعظة واستبصار العبرة والظفر بثمر الفكرة
وإنما ينتفع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء بشدة الافتقار إليها والعمي عن عيب الواعظ وبذكر الوعد والوعيد
وإنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء بحياة العقل ومعرفة الأيام والسلامة من الأغراض
وإنما تجنى ثمرة الفكرة بثلاثة أشياء بقصر الأمل والتأمل في القرآن وقلة الخلطة والتمني والتعلق والشبع والمنام

باب الاعتصام قال الله عز و جل واعتصموا بحبل الله جميعا

واعتصموا بالله هو مولاكم
الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره والاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم والتخلص من كل تردد والاعتصام على ثلاث درجات اعتصام العامة بالخبر واستسلاما وإذعانا أ بتصديق الوعد والوعيدوتعظيم الأمر والنهيوتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف وهو الاعتصام بحبل الله
- واعتصام الخاصة بالانقطاع أ وهو صون الإرادة قبضاوإسبال الخلق على الخلق بسطاورفض العلائق عزما وهو التمسك بالعروة الوثقى
- واعتصام خاصة الخاصة بالاتصال أ وهو شهود الحق تفريدا

بعد الاستخذاء له تعظيماوالاشتغال به قربا وهو الاعتصام بالله

باب الفرار قال الله عز و جل ففروا إلى الله
الفرار هو الهرب مما لم يكن إلى ما لم يزل
وهو على ثلاث درجات فرار العامة أ من الجهل إلى العلم عقدا وسعياومن الكسل إلى التشمير حذرا وعزماومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء
- وفرار الخاصة أ من الخبر إلى الشهودومن الرسوم إلى الأصولومن الحظوظ إلى التجريد
- وفرار خاصة أالخاصة مما دون الحق إلى الحقثم من شهود الفرار إلى الحقثم الفرار من الفرار إلى الحق
باب الرياضة قال الله عز و جل والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
الرياضة تمرين النفس على قبول الصدق
وهي على ثلاث درجات رياضة العامة أ تهذيب الأخلاق بالعلموتصفية الأعمال بالإخلاصوتوفير الحقوق في المعاملة
- ورياضة الخاصة أ حسم التفرقوقطع الالتفات إلى المقام الذي جاوزهوإبقاء العلم يجري مجاريه
- ورياضة خاصة الخاصة أ تجريد الشهودوالصعود إلى الجمعورفض المعارضات والمعاوضات

باب السماع قال الله عز و جل ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم

نكتة السماع حقيقة الانتباه
وهو على ثلاثة درجات أ سماع العامة ثلاثة أشياء إجابة زجر الوعيد رغبة وإجابة دعوة الوعد جهدا وبلوغ مشاهدة المنة استبصاراوسماع الخاصة ثلاثة أشياء شهود المقصود في كل رمز والوقوف على الغاية في كل حي والخلاص من التلذذ بالتفرقوسماع خاصة الخاصة سماع يغسل العلل عن الكشف ويصل الأبد بالأزل ويرد النهايات إلى الأول
قسم الأبواب وأما قسم الأبواب فهو عشرة أبواب وهي الحزن والخوف والإشفاق والخشوع والإخبات والزهد والورع والتبتل والرجاء والرغبة

باب الحزن قال الله عز و جل تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا الحزن توجع لفائت أو تأسف على ممتنع
وله ثلاث درجات الدرجة الأولى حزن العامة وهو حزن على التفريط في الخدمة

وعلى التورط في الجفاء وعلى ضياع الأيام
والدرجة الثانية حزن أهل الإرادة وهو حزن على تعلق الوقت بالتفرق وعلى اشتغال النفس عن الشهود وعلى التسلي عن الحزن
وليست الخاصة من مقام الحزن في شيء ولكن الدرجة الثالثة من الحزن التحزن للعارضات دون الخواطر ومعارضات القصود والاعتراضات على الأحكام

باب الخوف قال الله عز و جل يخافون ربهم من فوقهم الخوف هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر
وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الخوف من العقوبة

وهو الخوف الذي يصح به الإيمان وهو خوف العامة وهو يتولد من تصديق الوعيد وذكر الجناية ومراقبة العاقبة
والدرجة الثانية خوف المكر في جريان الأنفاس المستغرقة في اليقظة * المشوبة بالحلاوة
وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف إلا هيبة الإجلال وهي أقصى درجة يشار إليها في غاية الخوف وهي هيبة تعارض المكاشف أوقات المناجاة وتصون المشاهد أحيان المسامرة وتقصم المعاين بصدمة العزة

باب الاشفاق قال الله عز و جل قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين
الإشفاق دوام الحذر مقرونا بالترحم وهو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى إشفاق على النفس أن تجمح إلى العناد وإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع وإشفاق على الخليقة لمعرفة معاذيرها
والدرجة الثانية إشفاق على الوقت أن يشوبه تفرق وعلى القلب أن يزاحمه عارض وعلى اليقين أن يداخله سبب
والدرجة الثالثة إشفاق يصون سعيه من العجب ويكف صاحبه عن مخاصمة الخلق ويحمل المريد على حفظ الحد

باب الخشوع قال الله عز و جل ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق
الخشوع خمود النفس وهمود الطباع لمتعاظم أو مفزع
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى التذلل للأمر والاستسلام للحكم

والاتضاع لنظر الحق
والدرجة الثانية ترقب آفات النفس والعمل ورؤية فضل كل ذي فضل عليك وتنسم نسيم الفناء
الدرجة الثالثة حفظ الحرمة عند المكاشفة وتصفية الوقت من مراياة الخلق وتجريد رؤية الفضل

باب الاخبات قال الله عز و جل وبشر المخبتين
الإخبات من أوائل مقام الطمأنينة وهو ورود المأمن من الرجوع والتردد وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن تستغرق العصمة الشهوة وتستدرك
الإدارة الغفلة ويستهوي الطلب السلوة
والدرجة الثانية ان لا ينقص إرادته سبب

ولا يوحش قلبه عارض ولا تقطع الطريق عليه فتنة والدرجة الثالثة أن يستوي عنده المدح والذم وتدوم لائمته لنفسه ويعمى عن نقصان الخلق عن درجته

باب الزهد قال الله عز و جل بقية الله خير لكم
الزهد إسقاط الرغبة عن الشيء بالكلية وهو للعامة قربة وللمريد ضرورة وللخاصة خشة
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الزهد في الشبهة بعد ترك الحرام بالحذر من المعتبة والأنفة من المنقصة وكراهة مشاركة الفساق

والدرجة الثانية الزهد في الفضول وما زاد على المسكة والبلاغ من القوت باغتنام التفرغ إلى عمارة الوقت وحسم الجأش والتحلي بحلية الأنبياء والصديقين
والدرجة الثالثة الزهد في الزهد بثلاثة أشياء باستحقار ما زهدت فيه واستواء الحالات عندك والذهاب عن شهود الاكتساب ناظرا إلى وادي الحقائق

باب الورع قال الله عز و جل وثيابك فطهر الورع توق مستقصي على حذر أو تحرج على تعظيم
وهو آخر مقام الزهد للعامة وأول مقام الزهد للمريد
وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تجنب القبائح

لصون النفس وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان
والدرجة الثانية حفظ الحدود عند ما لا بأس به إبقاء على الصيانة والتقوى وصعودا على الدناءة وتخلصا عن اقتحام الحدود
والدرجة الثالثة التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت والتعلق بالتفرق وعارض يعارض حال الجمع

باب التبتل قال الله عز و جل وتبتل إليه تبتيلا
التبتل الانقطاع بالكلية وقوله إليه دعوة إلى التجريد المحض
وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تجريد الانقطاع عن الحظوظ واللحوظ إلى العالم

خوفا أو رجاء أو مبالاة بحال بحسم الرجاء بالرضى وقطع الخوف بالتسليم ورفض المبالاة بشهود الحقيقة
والدرجة الثانية تجريد الانقطاع عن التعريج على النفس بمجانبة الهوى وتنسم روح الأنس وشيم برق الكشف
والدرجة الثالثة تجريد الانقطاع إلى السبق بتصحيح الاستقامة والاستغراق في قصد الوصول والنظر إلى أوائل الجمع

باب الرجاء قال الله عز و جل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر
الرجاء أضعف منازل المريد

لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه
وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة إلا ما فيه من فائدة واحدة ولها نطق باسمه التنزيل والسنة ودخل في مسالك المحققين وتلك الفائدة أنه يفثأ حرارة الخوف حتى لا يعدو إلى الإياس
والرجاء على ثلاث درجات
الدرجة الأولى رجاء يبعث اعامل على الاجتهاد ويولد التلذذ بالخدمة ويوقظ لسماحة الطباع بترك المناهي
والدرجة الثانية رجاء أرباب الرياضات أن يبلغوا موقفا تصفو فيه همهم برفض الملذوذات ولزوم شروط العلم واستقصاء حدود الحمية
والدرجة الثالثة رجاء أرباب طيب القلوب وهو رجاء لقاء الحق عز و جل

الباعث على الاشتياق المنغص لعيش المزهد في الخلق

باب الرغبة قال الله عز و جل ويدعوننا رغبا ورهبا
الرغبة ألحق بالحقيقة من الرجاء وهي فوق الرجاء لأن الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق والرغبة سلوك على تحقيق
والرغبة على ثلاث درجات الدرجة الأولى رغبة أهل الخبر تتولد من العلم فتبعث على الاجتهاد المنوط بالشهود وتصون السالك من وهن الفترة وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثة الرخص
والدرجة الثانية رغبة أرباب الحال وهي رغبة لا تبقى من المجهود إلا مبذولا

ولا تدع للهمة ذبولا ولا تترك غير المقصود مأمولا
والدرجة الثالثة رغبة أهل الشهود وهي تشرف تصحبة تقية لا تبقى معه من التفرق بقية
قسم المعاملات وأما قسم المعاملات فهو عشرة أبواب وهي
الرعاية والمراقبة والحرمة والإخلاص والتهذيب والاستقامة والتوكل والتفويض والثقة والتسليم

باب الرعاية قال الله عز و جل فما رعوها حق رعايتها
الرعاية صون بالعناية وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى رعاية الأعمال والدرجة الثانية رعاية الأحوال والدرجة الثالثة رعاية الأوقات

فأما رعاية الأعمال فتوفيرها بتحقيرها والقيام بها من غير نظر إليها وإجراؤها مجرى العلم لا على التزين بها
وأما رعاية الأحوال فهي أن يعد الاجتهاد مراياة والنفس تشبعا والحال دعوى
وأما رعاية الأوقات فأن يقف مع خطوة ثم أن يغيب عن خطوه بالصفاء من رسمه ثم أن يذهب عن شهود صفوه

باب المراقبة قال الله عز و جل لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة
المراقبة دوام ملاحظة المقصود
وهي على ثلاث
درجات الدرجة الأولى مراقبة الحق في السير إليه على الدوام بين تعظيم مذهل ومداناة حاملة

وسرور باعث
والدرجة الثانية مراقبة نظر الحق إليك برفض المعارضة وبالإعراض عن الاعتراض ونقض رعونة التعرض
والدرجة الثالثة مراقبة الأزل بمطالعة عين السبق استقبالا لعلم التوحيد ومراقبة ظهور إشارات الأزل على أحايين الأبد ومراقبة الخلاص من ربطة المراقبة

باب الحرمة قال الله عز و جل ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه
الحرمة هي التحرج عن المخالفات والمجاسرات
وهي على ثلاث درجات

الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي
لا خوفا من العقوبة * فيكون خصومة للنفس
ولا طلبا لمثوبة * فيكون مسترقا للأجرة
ولا شاهدا للجد * فيكون متدينا بالمراياة
فإن هذه الأوصاف كلها شعب من عبادة النفس
والدرجة الثانية إجراء الخبر على ظاهره وهو أن يبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها لا يتحمل البحث عنها تعسفا * ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا * ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما
والدرجة الثالثة صيانة الانبساط أن تشوبه جرأة وصيانة السرور أن يداخله أمن وصيانة الشهود أن يعارضه سبب

باب الإخلاص قال الله عز و جل ألا لله الدين الخالص
الإخلاص تصفية العمل من كل شوب
وهو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى إخراج رؤية العمل من العمل والخلاص من طلب العوض على العمل والنزول عن الرضى بالعمل
والدرجة الثانية الخجل من العمل مع بذل المجهود وتوفير الجهد بالاحتماء من الشهود ورؤية العمل في نور التوفيق من عين الجود
والدرجة الثالثة إخلاص العمل بالخلاص من العمل تدعه يسير مسير العلم وتسير أنت مشاهدا للحكم حرا من رق الرسم

باب التهذيب قال الله عز و جل فلما أفل قال لا أحب الآفلين
لتهذيب محنة أهل البدايات وهو شريعة من شرائع الرياضة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى تهذيب الخدمة

أن لا تخالجها جهالة ولا تسوقها عادة ولا تقف عندها همة
والدرجة الثانية تهذيب الحال وهو أن لا يجمح الحال إلى علم ولا يخضع لرسم ولا يلتفت إلى حظ
والدرجة الثالثة تهذيب القصد وهو تصفيته من ذل الإكراه وتحفظه من مرض الفتور ونصرته على منازعات العلم

باب الاستقامة قال الله عز و جل فاستقيموا إليه
قوله عز و جل إليه إشارة إلى عين التفريد
والاستقامة روح تحيى بها الأحوال كما تربو للعامة عليها الأعمال

وهي برزخ بين أوهاد التفرق وروابي الجمع
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الاستقامة على الاجتهاد في الاقتصاد لا عاديا رسم العلم ولا متجوزا حد الإخلاص ولا مخالفا نهج السنة
والدرجة الثانية استقامة الأحوال وهي شهود الحقيقة لا كسبا ورفض الدعوى لا علما والبقاء مع نور اليقظة لا تحفظا
والدرجة الثانية الثالثة استقامة بترك رؤية الاستقامة وبالغيبة عن تطلب الاستقامة بشهود إقامة الحق وتقويمه عز اسمه

باب التوكل قال الله عز و جل وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين
التوكل كله الأمر كله إلى مالكه * والتعويل على وكالته

وهو من أصعب منازل العامة عليهم وأوهى السبل عند الخاصة لأن الحق قد وكل الأمور كلها إلى نفسه وأيأس العالم من ملك شيء منها
وهو على ثلاث درجات كلها تسير مسير العامة
الدرجة الأولى التوكل مع الطلب * ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى
والدرجة الثانية التوكل مع إسقاط الطلب * وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس وتفرغا إلى حفظ الواجبات
والدرجة الثالثة التوكل مع معرفة التوكل * النازعة إلى الخلاص من علة التوكل وهو أن يعلم أن ملكه الحق تعالى للأشياء ملكة عزة لا يشاركه فيها مشارك فيكل شركته إليه
فإن من ضرورة العبودية أن يعلم العبد أن الحق هو مالك الأشياء وحده
باب التفويض قال الله عز و جل حاكيا عن مؤمن آل فرعون وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
التفويض ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده وهو عين الاستسلام والتوكل شعبة منه
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن تعلم أن العبد لا يملك قبل عمله استطاعة فلا يأمن من مكر ولا ييأس من معونة ولا يعول على نية
والدرجة الثانية معاينة الاضطرار فلا ترى عملا منجيا ولا ذنبا مهلكا ولا سببا حاملا

والدرجة الثالثة شهودك انفراد الحق بملك الحركة والسكون والقبض والبسط ومعرفته بتصريف التفرقة والجمع

باب الثقة قال الله عز و جل فإذا خفت عليه فألقيه في اليم
الثقة سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى درجة الإياس وهو إياس العبد من مقاواة الأحكام ليقعد عن منازعة الأقسام وليتخلص من قحة الإقدام
والدرجة الثانية درجة الأمن وهو أمن العبد من فوت المقدور * وانتقاص المسطور

فيظفر بروح الرضى وإلا فبغنى اليقين وإلا فبظلف الصبر
والدرجة الثالثة معاينة أولية الحق ليتخلص من محن القصود وتكاليف الحمايات والتعريج على مدارج الوسائل

باب التسليم قال الله عز و جل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
وفي التسليم والثقة والتفويض ما في التوكل من الاعتلال وهو من أعلى درجات سبيل العامة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى تسليم ما يزاحم العقول مما يشق على الأوهام من الغيب والإذعان لما يغالب القياس من سير الدول والقسم

والإجابة لما يفزع المريد من ركوب الأحوال
والدرجة الثانية تسليم العلم إلى الحال والقصد إلى الكشف والرسم إلى الحقيقة
والدرجة الثالثة تسليم ما دون الحق إلى الحق مع السلامة من رؤية التسليم بمعاينة تسليم الحق إياك إليه
قسم الأخلاق وأما قسم الأخلاق فهو عشرة أبواب وهي الصبر والرضى والشكر والحياء والصدق والإيثار والخلق والتواضع والفتوة والانبساط

باب الصبر قال الله عز و جل واصبر وما صبرك إلا بالله
الصبر حبس النفس على جزع كامن عن الشكوى وهو أيضا من أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبةوأنكرها في طريق التوحيد وهو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى الصبر عن المعصية بمطالعة الوعيد إبقاء على الإيمان * وحذرا من الجزاء وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء
والدرجة الثانية الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما وبرعايتها إخلاصا وبتحسينها علما
والدرجة الثالثة الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء وانتظار روح الفرج وتهوين البلية بعد أيادي المنن وتذكر سوالف النعم
وفي هذه الدرجات الثلاث من الصبر نزلت اصبروا يعني في البلاء وصابروا يعني عن المعصية ورابطوا يعني على الطاعة
وأضعف الصبر الصبر لله * وهو صبر العامة

وفوقه الصبر لله * وهو صبر المريد وفوقهما الصبر على الله * وهو صبر السالك

باب الرضى قال الله عز و جل إرجعي إلى ربك راضية مرضية
لم يدع في هذه الآية للمتسخط إليه سبيلا وشرط للقاصد الدخول في الرضى
والرضى اسم للوقوف الصادق حيث ما وقف العبد لا يلتمس متقدما ولا متأخرا ولا يستزيد مزيدا ولا يستبدل حالا
وهو من أوائل مسالك أهل الخصوص وأشقها على العامة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى رضى العامة وهو الرضى بالله ربا بسخط عبادة ما دونه

وهذا قطب رحى الإسلام وهو يطهر من الشرك الأكبر
وهو يصح بثلاث شرائط
أن يكون الله عز و جل أحب الأشياء إلى العبد وأولى الأشياء بالتعظيم وأحق الأشياء بالطاعة
والدرجة الثانية الرضى عن الله عز و جل وبهذا الرضى نطقت آيات التنزيل وهو الرضى عنه في كل ما قضى وهذا من أوائل مسالك أهل الخصوص
ويصح بثلاث شرائط باستواء الحالات عند العبد وبسقوط الخصومة مع الخلق وبالخلاص من المسألة والإلحاح
والدرجة الثالثة الرضى برضى الله فلا يرى العبد لنفسه سخطا ولا رضى فيبعثه على ترك التحكم وحسم الاختيار وإسقاط التمييز ولو أدخل النار
باب الشكر قال الله عز و جل وقليل من عبادي الشكور
الشكر اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم ولهذا المعنى سمي الله تعالى الإسلام والإيمان في القرآن شكرا
وعاني الشكر ثلاثة أشياء معرفة النعمة ثم قبول النعمة ثم الثناء بها
وهو أيضا من سبل العامة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الشكر في المحاب وهذا شكر شاركت المسلمين فيه اليهود والنصارى والمجوس ومن سعة بر البارئ أنه عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب له المثوبة
والدرجة الثانية الشكر في المكاره

وهذا ممن يستوى عنده الحالات إظهار الرضى وممن يميز بين الأحوال كظم الشكوى ورعاية الأدب وسلوك مسلك العلم وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة
والدرجة الثالثة أن لا يشهد العبد إلا المنعم فإذا شهد المنعم عبودة استعظم منه النعمة وإذا شهده حبا استحلى منه الشدة وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه شدة ولا نعمة

باب الحياء قال عز و جل ألم يعلم بأن الله يرى
الحياء من أوائل مدارج أهل الخصوص يتولد من تعظيم منوط بود وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى حياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه فيجذبه إلى تحمل المجاهدة

ويحمله على استقباح الجناية ويسكته عن الشكوى
والدرجة الثانية حياء يتولد من النظر في علم القرب فيدعوه إلى ركوب المحبة ويربطه بروح الأنس ويكره إليه ملابسة الخلق
والدرجة الثالثة حياء يتولد من شهود الحضرة وهي التي تشوبها هيبة ولا تقاويها تفرقة ولا يوقف لها على غاية

باب الصدق قال الله عز و جل فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم
الصدق اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولا ووجودا وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى صدق القصد

وبه يصح الدخول في هذا الشأن ويتلافى به كل تفريط ويتدارك كل فائت ويعمر كل خراب
وعلامة هذا الصادق أن لا يحتمل داعية تدعو إلى نقض عهد ولا يصبر على صحبة ضد ولا يقعد عن الجد بحال
والدرجة الثانية أن لا يتمنى الحياة إلا للحق ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص
والدرجة الثالثة الصدق في معرفة الصدق فإن الصدق لا يستقيم في علم الخصوص إلا على حرف واحد وهو أن يتفق رضى الحق بعمل العبد أو حاله أو وقته وإتيان العبد وقصده فيكون العبد راضيا مرضيا فأعماله إذا مرضية وأحواله صادقة وقصوده مستقيمة
وإن كان العبد كسي ثوبا معارا

فأحسن أعماله ذنب وأصدق أحواله زور وأصفى قصوده قعود

باب الإيثار قال الله عز و جل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
الإيثار تخصيص واختيار والأثرة تحسن طوعا وتصح كرها وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولاءيفسد عليك وقتا
ويستطاع هذا بثلاثة أشياء بتعظيم الحقوق ومقت الشح

والرغبة في مكارم الأخلاق
والدرجة الثانية إيثار رضى الله تعالى على رضى غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت به المؤن وضعفت عنه الطول والبدن
ويستطاع هذا بثلاثة أشياء بطيب العود وحسن الإسلام وقوة الصبر
والدرجة الثالثة إيثار إيثار الله تعالى فإن الخوض في الإيثار دعوى في الملك ثم ترك شهود رؤيتك إيثار الله ثم غيبتك عن الترك

باب الخلق قال الله عز و جل وإنك لعلى خلق عظيم
الخلق ما يرجع إليه المتكلف من نعته

واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم أن التصوف هو الخلق وجماع الكلام فيه يدور على قطب واحد وهو بذل المعروف وكف الأذى
وإنما يدرك إمكان ذلك قي ثلاثة أشياء
في العلم * والجود * والصبر
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن تعرف مقام الخلق أنهم بأقدارهم مربوطون وفي طاقتهم محبوسون وعلى الحكم موقوفون
فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء أمن الخلق منك حتى الكلب ومحبة الخلق إياك ونجاة الخلق بك
والدرجة الثانية تحسين خلقك مع الحق وتحسينه منك أن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا وكل ما يأتي من الحق يوجب شكرا وأن لا ترى له من الوفاء بدا

والدرجة الثالثة التخلق بتصفية الخلق ثم الصعود عن تفرق التخلق ثم التخلق بمجاوزة الأخلاق

باب التواضع قال الله عز و جل وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا
التواضع أن يتضع العبد لصولة الحق وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى التواضع للدين وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا ولا يتهم على الدين دليلا ولا يرى إلى الخلاف سبيلا
ولا يصح ذلك له إلا بأن يعلم أن النجاة في البصيرة والاستقامة بعد الثقة وأن البينة وراء الحجة
والدرجة الثانية أن ترضى بمن رضى الحق لنفسه عبدا * من المسلمين أخا

وأن لا ترد على عدوك حقا وتقبل من المعتذر معاذيره
والدرجة الثالثة أن تتضع للحق فتنزل عن رأيك في الخدمة ورؤية حقك في الصحبة وعن رسمك في المشاهدة

باب الفتوة قال الله عز و جل إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى
نكتة الفتوة أن لا تشهد لك فضلا * ولا ترى لك حقا وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى ترك الخصومة والتغافل عن الزلة ونسيان الأذية
والدرجة الثانية أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك وتعتذر إلى من يجنى عليك

سماحا لا كظما وبراحا لا مصابرة
والدرجة الثالثة أن لا تتعلق في المسير بدليل ولا تشوب إجابتك بعوض ولا تقف في شهودك على رسم
واعلم أن من أحوج عدوه إلى شفاعة ولم يخجل من المعذرة إليه لم يشم رائحة الفتوة ثم في علم الخصوص من طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم يحل له دعوى الفتوة أبدا

باب الانبساط قال الله عز و جل حاكيا عن كليمة عليه السلام أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء
الانبساط إرسال السجية والتحاشي من وحشة الحشمة

وهو السير مع الجبلة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الانبساط مع الخلق وهو أن لا تعتز لهم ضنا على نفسك * أو شحا على حظك وتسترسل لهم في فضلك وتسعهم بخلقك وتدعهم يطؤونك والعلم قائم وشهودك المعنى دائم
والدرجة الثانية الانبساط مع الحق وهو أن لا يجنبك خوف ولا يحجبك رجاء ولا يحول بينك وبينه آدم وحواء
والدرجة الثالثة الانبساط في الانطواء عن الانبساط وهو رحب الهمة لانطواء انبساط العبد في بسط الحق جل جلالة
قسم الأصول وأما قسم الأصول فهو عشرة أبواب وهي
القصد والعزم والإرادة والأدب واليقين والأنس والذكر والفقر والغنى ومقام المراد

باب القصد قال الله عز و جل ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله
القصد الإزماع على التجرد للطاعة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى قصد يبعث على الارتياض

ويخلص من التردد ويدعو إلى مجانبة الأغراض
والدرجة الثانية قصد لا يلتقي سببا إلا قطعه ولا يدع حائلا إلا منعه ولا تحاملا إلا سهله
والدرجة الثالثة قصد استسلام لتهذيب العلم وقصد إجابة لوطئ الحكم وقصد اقتحام في بحر الفناء

باب العزم قال الله عز و جل فإذا عزمت فتوكل على الله
العزم تحقيق القصد طوعا أو كرها
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى إباء الحال على العلم بشيم برق الكشف واستدامة نور الأنس والإجابة لإماتة الهوى

والدرجة الثانية الاستغراق في لوائح المشاهدة واستنارة ضياء الطريق واستجماع قوى الاستقامة
والدرجة الثالثة معرفة علة العزم ثم العزم على التخلص من العزم ثم الخلاص من تكاليف ترك العزم فإن العزائم لم تورث أربابها ميراثا أكرم من وقوفهم على علل العزائم

باب الإرادة قال الله عز و جل قل كل يعمل على شاكلته
الإرادة من قوانين هذا العلم وجوامع أبنيته وهي الإجابة لدواعي الحقيقة طوعا
وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى ذهاب عن العادات بصحبة العلم وتعلق بأنفاس السالكين مع صدق القصد وخلع كل شاغل من الإخوان

ومشتت من الأوطان
والدرجة الثانية تقطع بصحبة الحال وترويح الأنس والسير بين القبض والبسط
والدرجة الثالثة ذهول مع صحة الاستقامة وملازمة الرعاية على تهذيب الأدب

باب الأدب قال الله عز و جل والحافظون لحدود الله
الأدب حفظ الحد بين الغلو والجفاء بمعرفة ضرر العدوان
وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى منع الخوف أن يتعدى إلى الإياس وحبس الرجاء أن يخرج إلى الأمن وضبط السرور أن يضاهي الجرأة
والدرجة الثانية الخروج من الخوف إلى ميدان القبض والصعود عن الرجاء إلى ميدان البسط

والترقي عن السرور إلى ميدان المشاهدة
والدرجة الثالثة معرفة الأدب ثم الغنى عن التأدب بتأديب الحق ثم الخلاص من شهود أعباء الأدب

باب اليقين قال الله عز و جل وفي الأرض آيات للموقنين
اليقين مركب الآخذ في هذا الطريق وهو غاية درجات العامة وقيل أول خطوة الخاصة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى علم اليقين وهو قبول ما ظهر من الحق وقبول ما غاب للحق والوقوف على ما قام بالحق
والدرجة الثانية عين اليقين وهو الغنى بالاستدراك عن الاستدلال

وعن الخبر بالعيان وخرق الشهود حجاب العلم
والدرجة الثالثة حق اليقين وهو إسفار صبح الكشف ثم الخلاص من كلفة اليقين ثم الفناء في حق اليقين

باب الأنس قال الله عز و جل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
الأنس عبارة عن روح القرب وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الأنس بالشواهد وهو استحلاء الذكر والتغذي بالسماع والوقوف على الإشارات
والدرجة الثانية الأنس بنور الكشف وهو أنس شاخص عن الأنس الأول

تشوبه صولة الهيمان ويضربه موج الفناء
وهذا الذي غلب قوما على عقولهم وسلب قوما طاقة الاصطبار وحل عنهم قيود العلم
وفي هذا ورد الخبر بهذا الدعاء أسألك شوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة
والدرجة الثالثة أنس اضمحلال في شهود الحضرة لا يعبر عن عينه ولا يشار إلى حده ولا يوقف على كنهه

باب الذكر قال الله عز و جل واذكر ربك إذا نسيت
يعني إذا نسيت غيره ونسيت نفسك في ذكرك ثم نسيت ذكرك في ذكرك ثم نسيت في ذكر الحق إياك كل ذكر

والذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الذكر الظاهر من ثناء أو دعاء أو رعاء
والدرجة الثانية الذكر الخفي وهو الخلاص من الفتور والبقاء مع الشهود ولزوم المسامرة
والدرجة الثالثة الذكر الحقيقي وهو شهود ذكر الحق إياك والتخلص من شهود ذكرك ومعرفة افتراء الذاكر في بقائه مع ذكره

باب الفقر قال الله عز و جل يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله
الفقر اسم للبراءة من رؤية الملكة وهو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى فقر الزهاد وهو نفض اليدين من الدنيا ضبطا أو طلبا وإسكات اللسان عنها ذما أو مدحا والسلامة منها طلبا أو تركا وهذا هو الفقر الذي تكلموا في شرفه
والدرجة الثانية الرجوع إلى السبق بمطالعة الفضل وهو يورث الخلاص من رؤية الأعمال ويقطع شهود الأحوال ويمحص من أدناس مطالعة المقامات
والدرجة الثالثة صحة الاضطرار والوقوع في يد التقطع الوحداني والاحتباس في قيد التجريد وهذا فقر الصوفية
- باب الغنى
قال الله عز و جل ووجدك عائلا فأغنى
الغنى اسم للملك التام
وهو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى غنى القلب وهو سلامته من السبب ومسالمته الحكم وخلاصة من الخصومة
والدرجة الثانية عنى النفس وهو استقامتها على المرغوب وسلامتها من المسخوط وبراءتها من المراياة
والدرجة الثالثة الغنى بالحق وهو على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى شهود ذكره إياك والثانية دوام مطالعة أوليته والثالثة الفوز بوجوده باب مقام المراد
قال الله عز و جل وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب
أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المراد والمريد اثنين

وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد
وإنما أشاروا باسم المراد إلى الضنائن الذين ورد فيهم الخبر وللمراد ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن يعصم العبد وهو يستشرف للجفاء اضطرارا بتنغيص الشهوات وتعويق الملاذ وسد مسالك المعاطب عليه إكراها
والدرجة الثانية أن يضع عن العبد عوار النقص ويعافيه من سمة اللائمة ويملكه عواقب الهفوات كما فعل بسليمان في قتل الخيل حمله على الريح الرخاء والعاصف فأغناه عن الخيل وفعل بموسى حين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه لم يعتب عليه كما عتب على آدم ونوح وداود ويونس
والدرجة الثالثة اجتباء الحق عبده واستخلاصه إياه بخالصته كما ابتدأ موسى وهو خرج يقتبس نارا فاصطنعه لنفسه وأبقى منه رسما معارا

قسم الأودية
وأما قسم الأودية فهو عشرة أبواب وهي
الإحسان والعلم والحكمة والبصيرة والفراسة والتعظيم والإلهام والسكينة والطمأنينة والهمة باب الإحسان
قال الله عز و جل هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
قد ذكرنا في صدر الكتاب أن الإحسان اسم جامع نبوي يجمع أبواب الحقائق وهو أن تعبد الله كأنك تراه
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الإحسان في القصد

بتهذيبه علما وإبرامه عزما وتصفيته حالا
والدرجة الثانية الإحسان في الأحوال وهو أن تراعيها غيره وتسترها تظرفا وتصححها تحقيقا
والدرجة الثالثة الإحسان في الوقت وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا ولا تلحظ لهمتك أمدا وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا
- باب العلم
قال الله عز و جل وعلمناه من لدنا علما
العلم ما قام بدليل ورفع الجهل
وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى علم جلي

يقع بعيان أو استفاضة صحيحة أو صحة تجربة قديمة
والدرجة الثانية علم خفي ينبت في الأسرار الطاهرة من الأبراز الزاكية بماء الرياضة الخالصة ويظهر في الأنفاس الصادقة لأهل الهمة العالية في الأحايين الخالية في الأسماع الصاخبة
وهو علم يظهر الغائب ويغيب الشاهد ويشير إلى الجمع
والدرجة الثالثة علم لدني إسناده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه ليس بينه وبين الغيب حجاب

باب الحكمة
قال الله عز و جل يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا
الحكمة اسم لأحكام وضع الشيء في موضعه وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله وقته
والدرجة الثانية أن تشهد نظر الله في وعيده وتعرف عدله في حكمه وتلحظ بره في منعه
والدرجة الثالثة أن تبلغ في استدلالك البصيرة وفي إرشادك الحقيقة وفي إشارتك الغاية باب البصيرة
قال الله عز و جل قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة

أنا ومن اتبعني
البصيرة ما يخلصك من الحيرة وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى أن تعلم أن الخبر القائم بتمهيد الشريعة يصدر عن عين لا تخاف عواقبها فترى من حقه أن تلذه يقينا وتغضب له غيرة
والدرجة الثانية أن تشهد في هداية الحق وإضلاله إصابة العدل وفي تلوين أقسامه رعاية البر وتعاين في جذبه حبل الوصال
والدرجة الثالثة بصيرة تفجر المعرفة وتثبت الإشارة وتنبت الفراسة
- باب الفراسة
قال الله عز و جل إن في ذلك لآيات للمتوسمين

التوسم التفرس وهو استئناس حكم غيب من غير استدلال بشاهد ولا اختبار بتجربة
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى فراسة طارئة نادرة تسقط على لسان وحشي في العمر مرة لحاجة سمع مريد صادق إليها لا يوقف على مخرجها ولا يوبه بصاحبها
وهذا شيء لا يلخص من الكهانة وما ضاهاها لأنها لم تشر عن عين ولم تصدر عن علم ولم تسق بوجود
والدرجة الثانية فراسة تجني من غرس الإيمان وتطلع من صحة الحال وتلمع من نور الكشف
والدرجة الثالثة فراسة سرية لم تجتلبها روية على لسان مصطنع

تصريحا أو رمزا باب التعظيم
قال الله عز و جل مالكم لا ترجون لله وقارا
التعظيم معرفة العظمة مع التذلل لها
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي وهو أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد
والدرجة الثانية تعظيم الحكم أن يبغى له عوج أو يدافع بعلم أو يرضى بعوض
والدرجة الثالثة تعظيم الحق وهو أن لا تجعل دونه سببا أو ترى عليه حقا

أو تنازع له اختيارا
- باب الإلهام
قال الله عز و جل قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك
الإلهام مقام المحدثين وهو فوق الفراسة لأن الفراسة ربما وقعت نادرة أو استصعبت على صاحبها وقتا واستعصت عليه والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى إلهام نبأ يقع وحيا قاطعا مقرونا بسماع أو مطلقا
والدرجة الثانية إلهام يقع عينا وعلامة صحته أنه لا يخرق سترا ولا يجاوز حدا

ولا يخطئ أبدا
والدرجة الثالثة إلهام يجلو عين التحقيق صرفا وينطق عن عين الأزل محضا
وللإلهام غاية تمتنع عن الإشارة إليها
- باب السكينة
قال الله عز و جل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
اسم السكينة لثلاثة أشياء
أولها سكينة بني إسرائيل التي أعطوها في التابوت قال أهل التفسير هي ريح هفافة وذكروا صفتها وفيها ثلاثة أشياء
هي لانبيائهم معجزة ولملوكهم كرامة وهي آية النصرة تخلع قلوب العدو بصوتها رعبا إذ التقى الصفان للقتال
والسكينة الثانية التي تنطق على ألسن المحدثين ليست هي شيئا يملك

إنما هي شيء من لطائف صنيع الحق يلقى على لسان المحدث الحكمة كما يلقى الملك الوحي على قلوب الأنبياء وتنطق المحدثين بنكت الحقائق مع ترويح الاسرار وكشف الشبه
والسكينة الثالثة هي التي أنزلت في قلب النبي صA وقلوب المؤمنين وهي شيء يجمع نورا * وقوة * وروحا يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين والضجر ويستكين له العصي * والجري والأبي
وأما سكينة الوقار التي تراها نعتا أربابها فإنها ضياء تلك السكينة الثالثة التي ذكرناها وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى سكينة الخشوع عند القيام بالخدمة رعاية وتعظيما وحضورا
والدرجة الثانية السكينة عند المعاملة بمحاسبة النفس وملاطفة الخلق

ومراقبة الحق
والدرجة الثالثة السكينة التي تنبت الرضى بالقسم وتمنع من الشطح الفاحش وتقف صاحبها على حد الرتبة باب الطمأنينه قال الله عز و جل يا أيتها النفس المطمئنة
الطمأنينة سكون يقويه أمن صحيح شبيه بالعيان
وبينه وبين السكينة فرقان
أحدهما أن السكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا والطمأنينة سكون أمن فيه استراحة أنس
والثاني أن السكينة تكون نعتا وتكون حينا بعد حين والطمأنينة نعت لا يزايل صاحبه
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى طمأنينة القلب بذكر الله وهي طمأنينة الخائف إلى الرجاء

والضجر إلى الحكم والمبتلي إلى المثوبة
والدرجة الثانية طمأنينة الروح في القصد إلى الكشف وفي الشوق إلى العدة وفي التفرقة إلى الجمع
والدرجة الثالثة طمأنينة شهود الحضرة إلى اللطف وطمأنينة الجمع إلى البقاء وطمأنينة المقام إلى نور الأزل
- باب الهمة
قال الله عز و جل ما زاغ البصر وما طغى
الهمة ما يملك الانبعاث للمقصود صرفا لا يتمالك صاحبها ولا يلتفت عنها
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى همة تصون القلب من خسة الرغبة في الفاني وتحمله على الرغبة في الباقي وتصفية من كدر التواني

والدرجة الثانية همة تورث أنفة من المبالاة بالعلل والنزول على العمل والثقة بالأمل
والدرجة الثالثة همة تصاعد عن الأحوال والمقامات وتزرى بالأعواض والدرجات وتنحو عن النعوت نحو الذات

قسم الأحوال
وأما قسم الأحوال فهو عشرة أبواب وهي
المحبة والغيرة والشوق والقلق والعطش والوجد والدهش والهيمان والبرق والذوق
- باب المحبة
قال الله عز و جل من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه
المحبة تعلق القلب بين الهمة والأنس في البذل والمنع على الإفراد
والمحبة أول أودية الفناء والعقبة التي ينحدر منها على منازل المحو وهي آخر منزل تلقى فيه مقدمة العامة ساقة الخاصة

وما دونها أغراض لأعواض
والمحبة هي سمة الطائفة وعنوان الطريقة ومعقد النسبة
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى محبة تقطع الوساوس وتلذ الخدمة وتسلي عن المصائب
وهي محبة تنبت من مطالعة المنة وتثبت باتباع السنة وتنمو على الإجابة للفاقة
والدرجة الثانية محبة تبعث على إيثار الحق على غيره وتلهج اللسان بذكره وتعلق القلب بشهوده
وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات والنظر في الآيات والارتياض بالمقامات
والدرجة الثالثة محبة خاطفة تقطع العبارة وتدقق الإشارة

ولا تنتهي بالنعوت
وهذه المحبة هي قطب هذا الشأن وما دونها محاب نادت عليها الألسن وادعتها الخليقة وأوجبتها العقول
- باب الغيرة
قال الله عز و جل حاكيا عن سليمان عليه السلام ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق
الغيرة سقوط الاحتمال ضنا والضيق عن الصبر نفاسة
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى غيرة العابد على ضائع يسترد ضياعه ويستدرك فواته ويتدارك تواه
والدرجة الثانية غيرة المريد على وقت فات وهي غيرة قاتلة

فإن الوقت وحي الغضب أبي الجانب بطيء الرجوع
والدرجة الثالثة غيرة العارف على عين غطاها غين وسر غشيه رين ونفس علق برجاء أو التفت إلى عطاء
- باب الشوق
قال الله عز و جل من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت
الشوق هبوب القلب إلى غائب وفي مذهب هذه الطائفة علة الشوق عظيمة فإن الشوق إنما يكون إلى غائب ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة ولهذه العلة لم ينطق القرآن باسمه
ثم هو على ثلاث درجات

الدرجة الأولى شوق العابد إلى الجنة ليأمن الخائف ويفرح الحزين ويظفر الآمل
والدرجة الثانية شوق إلى الله عز و جل زرعه الحب الذي نبت على حافات المنن فعلق قلبه بصفاته المقدسة فاشتاق إلى معاينة لطائف كرمه وآيات بره وأعلام فضله
وهذا الشوق تفثأه المبار وتخالجه المسار ويقاويه الاصطبار
والدرجة الثالثة نار أضرمها صفو المحبة فنغصت العيش وسلبت السلوة ولم ينهنهها معز دون اللقاء
- باب القلق
قال الله عز و جل حاكيا عن موسى عليه السلام

وعجلت إليك رب لترضي
الفلق تحريك الشوق بإسقاط الصبر وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى قلق يضيق الخلق ويبغض الخلق ويلذ الموت
والدرجة الثانية قلق يغالب العقل ويخلي السمع ويصاول الطاقة
والدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
- باب العطش
قال الله عز و جل حاكيا عن خليله عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي

العطش كناية عن غلبة ولوع بمأمول وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى عطش المريد إلى شاهد يرويه أو إشارة تشفيه أو عطفة تؤويه
والدرجة الثانية عطش السالك إلى أجل يطويه ويوم يريه ما يغنيه ومنزل يستريح فيه
والدرجة الثالثة عطش المحب إلى جلوة ما دونها سحاب علة ولا يغطيها حجاب تفرقة ولا يعرج دونها على انتظار
- باب الوجد
قال الله عز و جل وربطنا على قلوبهم إذ قاموا
الوجد لهب يتأجج من شهود عارض مقلق
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى وجد عارض

يستفيق له شاهد السمع أو شاهد البصر أو شاهد الفكر أبقى على صاحبه أثرا أو لم يبق
والدرجة الثانية وجد يستفيق له الروح بلمع نور أزلي أو سماع نداء أولي أو جذب حقيقي إن أبقى على صاحبه لباسه وإلا أبقى عليه نوره
والدرجة الثالثة وجد يخطف العبد من يد الكونين ويمحص معناه من درن الحظ ويسلبه من رق الماء والطين إن سلبه أنساه اسمه وإن لم يسلبه أعاره رسمه
- باب الدهش
قال الله عز و جل فلما رأينه أكبرنه

الدهش بهتة تأخذ العبد إذ فجأة ما يغلب عقله أو صبره أو علمه
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى دهشة المريد عند صولة الحال على علمه والوجد على طاقته والكشف على همته
والدرجة الثانية دهشة السالك عند وصولة الجمع على رسمه والسبق على وقته والمشاهدة على روحه
والدرجة الثالثة دهشة المحب عند وصولة الاتصال على لطف العطية وصوله نور القرب على نور العطف وصولة شوق العيان على شوق الخبر
- باب الهيمان
قال الله عز و جل وخر موسى صعقا

الهيمان ذهاب عن التماسك تعجبا أو حيرة وهو أثبت دواما وأملك بالنعت من الدهش وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى هيمان في شيم أوائل برق اللطف عند قصد الطريق مع ملاحظة العبد خسة قدره وسفال منزلته وتفاهة قيمته
والدرجة الثانية هيمان في تلاطم أمواج التحقيق عند ظهور براهينه وتواصل عجائبه ولياح أنواه
والدرجة الثالثة هيمان عند الوقوع في عين القدم ومعاينة سلطان الأزل والغرق في بحر الكشف
- باب البرق
قال الله عز و جل إذ رأى نارا

البرق باكورة تلمع للعبد فتدعوه إلى الدخول في هذا الطريق والفرق بينه وبين الوجد أن الوجد يقع بعد الدخول فيه فالوجد زاد والبرق إذن وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى برق يلمع من جانب العدة في عين الرجاء يستكثر فيه العبد القليل من العطاء ويستقل فيه الكثير من الأعباء ويستحلي فيه مرارة القضاء
والدرجة الثانية برق يلمع من جانب الوعيد في عين الحذر فيستقصر فيه العبد الطويل من الأمل ويزهد في الخلق على القرب ويرغب في تطهير السر
والدرجة الثالثة برق يلمع من جانب اللطف في عين الافتقار فينشئ سحاب السرور ويمطر قطر الطرب ويجري نهر الافتخار

- باب الذوق
قال الله عز و جل هذا ذكر الذوق أبقى من الوجد وأجلى من البرق وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى ذوق التصديق طعم العدة فلا يعقله ضن ولا يقطعه أمل ولا تعوقه أمنية
والدرجة الثانية ذوق الإرادة طعم الأنس فلا يعلق به شاغل ولا يفتنه عارض ولا تكدره تفرقة
والدرجة الثالثة ذوق الانقطاع طعم الاتصال وذوق الهمة طعم الجمع وذوق المسامرة طعم العيان

قسم الولايات
وأما قسم الولايات فهو عشرة أبواب وهي
اللحظ والوقت والصفاء والسرور والسر والنفس والغربة والغرق والغيبة والتمكن
- باب اللحظ
قال الله عز و جل انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني
اللحظ لمح مسترق وهو في هذا الباب على ثلاث درجات
الدرجة الأولى ملاحظة الفضل سبقا

وهي تقطع طريق السؤال إلا ما استحقته الربوبية من إظهار التذلل لها وتنبت السرور إلا ما يشوبه من حذر المكر وتبعث على الشكر إلا ما قام به الحق عز و جل من حق الصفة
والدرجة الثانية ملاحظة نور الكشف وهي تسبل لباس التولي وتذيق طعم التجلي وتعصم من عوار التسلي
والدرجة الثالثة ملاحظة عين الجمع وهي توقظ لاستهانة المجاهدات وتخلص من رعونة المعارضات وتفيد مطالعة البدايات
- باب الوقت
قال الله عز و جل ثم جئت على قدر يا موسى
الوقت اسم لظرف الكون وهو اسم في هذا الباب لثلاثة معان على ثلاث درجات
المعنى الأول حين وجد صادق لإيناس ضياء فضل جذبه صفاء رجاء

أو لقصمة جذبها صدق خوف أو لتلهيب شوق جذبه اشتعال محبة
والمعنى الثاني اسم لطريق سالك يسير بين تمكن وتلون لكنه إلى التمكن ما هو يسلك الحال ويلتفت إلى العلم فالعلم يشغله في حين والحال يحمله في حين
فبلاؤه بينهما يذيقه شهودا طورا ويكسوه غيرة طورا ويريه غبرة تفرق طورا
والمعنى الثالث قالوا الوقت الحق أرادوا به استغراق رسم الوقت في وجود الحق وهذا المعنى يشق على هذا الاسم عندي
لكنه هو اسم في هذا المعنى الثالث لحين يتلاشى فيه الرسوم كشفا لا وجودا محضا وهو فوق البرق والوجد وهو يشارف مقام الجمع لو دام وبقي ولا يبلغ وادي الوجود لكنه يكفي مؤنة المعاملة ويصفي عين المسامرة ويشم روائح الوجود

باب الصفاء
قال الله عز و جل وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار
الصفاء اسم للبراءة من الكدر وهو في هذا الباب سقوط التلون وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى صفاء علم يهذب لسلوك الطريق ويبصر غاية الجد ويصحح همة القاصد
والدرجة الثانية صفاء حال تشاهد به شواهد التحقيق وتذاق به حلاوة المناجاة وينسى به الكون
والدرجة الثالثة صفاء اتصال يدرج حظ العبودية في حق الربوبية ويغرق نهايات الخبر في بدايات العيان ويطوى خسة التكاليف في عزل الأزل

باب السرور
قال الله عز و جل قل بفظل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا والسرور اسم لاستبشار جامع وهو أصفى من الفرح لأن الأفراح ربما شابها الأحزان ولذلك نزل القرآن باسمه في أفراح الدنيا في مواضع وورد اسم السرور في الموضعين في القرآن في حال الآخرة
وهو في هذا الباب على ثلاث درجات
الدرجة الأولى سرور ذوق ذهب بثلاثة أحزان
حزن أورثه خوف الانقطاع وحزن هاجته ظلمة الجهل وحزن اغشته وحشة التفرق
والدرجة الثانية سرور شهود كشف حجاب العلم وفك رق التكلف ونفي صغار الاختيار
والدرجة الثالثة سرور سماع الإجابة

وهو سرور يمحو آثار الوحشة ويقرع باب المشاهدة ويضحك الروح
- باب السر
قال الله عز و جل الله أعلم بما في أنفسهم
أصحاب السر هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر وهم ثلاث طبقات على ثلاث درجات
الطبقة الأولى طائفة علت هممهم وصفت قصودهم وصح سلوكهم ولم يوقف لهم على رسم ولم ينسبوا إلى اسم ولم تشر إليهم الأصابع
أولئك ذخائر الله عز و جل حيث كانوا
والطبقة الثانية طائفة أشاروا عن منزل وهم في غيره ووروا بأمر وهم لغيره

ونادوا على شأن وهم على غيره بين غيره عليهم تسترهم وأدب فيهم يصونهم وظرف يهذبهم
والطبقة الثالثة طائفة أسرهم الحق عنهم فألاح لهم لائحا أذهلهم عن إدراك ما هم فيه وهيمهم عن شهود ما هم له وضن بحالهم على علمهم معرفة ما هم به فاستسروا عنهم مع شواهد تشهد لهم بصحة مقامهم من قصد صادق يهيجه غيب وحب صادق يخفى عليهم علمه ووجد غريب لا ينكشف لهم موقده
وهذا من أرق مقامات أهل الولاية
- باب النفس
قال الله عز و جل فلما أفاق قال سبحانك
يسمى النفس نفسا لتروح المتنفس به وهو على ثلاث درجات

وهي تشابه درجات الوقت
والأنفاس ثلاثة
النفس الأول نفس في حين استتار مملوء من الكظم معلق بالعلم إن تنفس تنفس نفس المتأسف وإن نطق نطق بالحرب
وعندي هو يتولد من وحشة الاستتار وهي الظلمة التي قالوا إنها مقام
والنفس الثاني نفس في حين التجلي وهو نفس شاخص عن مقام السرور إلى روح المعاينة مملوء من نور الوجود شاخص إلى منقطع الإشارة
والنفس الثالث نفس مطهر بماء القدس قائم بإشارات الأزل وهو النفس الذي يسمى صدف النور
فالنفس الأول للغيور سراج والنفس الثاني للقاصد معراج والنفس الثالث للمحقق تاج

باب الغربة
قال الله عز و جل فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم
الاغتراب اسم يشار به إلى الانفراد عن الأكفاء وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى الغربة عن الأوطان وهذا الغريب موته شهادة ويقاس له في قبره من متوفاه إلى وطنه ويجمع يوم القيامة إلى عيسى بن مريم عليه السلام
والدرجة الثانية غربة الحال وهذا من الغرباء الذين طوبى لهم وهو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين أو عالم بين قوم جاهلين أو صديق بين قوم منافقين
والدرجة الثالثة غربة الهمة وهي غربة طلب الحق وهي غربة العارف

لأن العارف في شاهده غريب ومصحوبه في شاهده غريب وموجوده فيما يحمله علم أو يظهره وجد أو يقوم به رسم أو تطيقه إشارة أو يشمله اسم غريب
فغربة العارف غربة الغربة لأنه غريب الدنيا وغريب الآخرة
- باب الغرق
قال الله عز و جل فلما أسلما وتله للجبين
هذا اسم يشار به في هذا الباب إلى من توسط المقام وجاوز حد التفرق
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى استغراق العلم في عين الحال وهذا رجل قد ظفر بالاستقامة وتحقق في الإشارة فاستحق صحة النسبة
والدرجة الثانية استغراق الإشارة في الكشف وهذا رجل ينطق عن موجوده

ويسير مع مشهوده ولا يحس برعونة رسمه
والدرجة الثالثة استغراق الشواهد في الجمع وهذا رجل شملته أنوار الأولية وفتح عينه في مطالعة الأزلية فتخلص من الهمم الدنية
- باب الغيبة
قال الله عز و جل وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف
الغيبة التي يشار بها في هذا الباب على ثلاث درجات
الدرجة الأولى غيبة المريد في مخلص القصد عن أيدي العلائق ودرك العوائق لالتماس الحقائق
والدرجة الثانية غيبة السالك عن رسوم العلم وعلل السعي ورخص الفتور

والدرجة الثالثة غيبة العارف عن عيون الأحوال والشواهد والدرجات في حصن الجمع
- باب التمكن
قال الله عز و جل ولا يستخفنك الذين لا يوقنون
التمكن فوق الطمأنينة وهو إشارة إلى غاية الاستقرار وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى تمكن المريد وهو أن تجتمع له صحة قصد تسيره ولمع شهود يحمله وسعة طريق تروحه
والدرجة الثانية تمكن السالك وهو أن تجتمع له صحة انقطاع وبرق كشق وصفاء حال

والدرجة الثالثة تمكن العارف وهو أن يحصل في الحضرة فوق حجب الطلب لابسا نور الوجود

قسم الحقائق
وأما قسم الحقائق فهو عشرة أبواب وهي
المكاشفة والمشاهدة والمعاينة والحياة والقبض والبسط والسكر والصحو والاتصال والانفصال
- باب المكاشفة
قال الله عز و جل فأوحى إلى عبده ما أوحى
المكاشفة مهاداة السر بين متباطنين وهي في هذا الباب بلوغ ما وراء الحجاب وجودا وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى مكاشفة تدل على التحقيق الصحيح وهي أن تكون مستديمة

فإذا كانت حينا دون حين لم يعارضه تفرق غير ان الغين ربما شاب مقامه على انه قد بلغ مبلغا لا يلفته قاطع ولا يلويه سبب ولا يقتطعه حظ وهي درجة القاصد فإذا استدامت فهي الدرجة الثانية
واما الدرجة الثالثة فمكاشفة عين لا مكاشفة علم ولا مكاشفة حال وهي مكاشفة لا تذر سمة تشير الى التذاذ أو تلجئ الى توقف أو تنزل على ترسم
وغاية هذه المكاشفة المشاهدة
- باب المشاهدة
قال الله عز و جل إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب

أو ألقى السمع وهو شهيد
المشاهدة سقوط الحجاب بتا وهي فوق المكاشفة لأن المكاشفة ولاية النعت وفيه شيء من بقاء الرسم والمشاهدة ولاية العين والذات
وهي على ثلاث درجات
الدرجة الأولى مشاهدة معرفة تجري فوق حدود العلم في لوائح نور الوجود منيخة بفناء الجمع
والدرجة الثانية مشاهدة معاينة تقطع حبال الشواهد وتلبس نعوت القدس وتخرس ألسنة الإشارات
والدرجة الثالثة مشاهدة جمع تجذب إلى عين الجمع

مالكة لصحة الورود راكبة بحر الوجود
- باب المعاينة
قال الله عز و جل ألم تر إلى ربك كيف مد الظل
المعاينات ثلاث
إحداها معاينة الأبصار والثانية معاينة عين القلب وهي معرفة الشيء على نعته علما يقطع الريبة ولا تشوبه حيرة وهذه معاينة بشواهد العلم
والمعاينة الثالثة معاينة عين الروح وهي التي تعاين الحق عيانا محضا والأرواح إنما طهرت وأكرمت بالبقاء لتناغي سناء الحضرة وتشاهد بهاء العزة وتجذب القلوب إلى فناء الحضرة

باب الحياة
قال الله عز و جل أو من كان ميتا فأحييناه
اسم الحياة في هذا الباب يشار به إلى ثلاثة أشياء
الحياة الأولى حياة العلم من موت الجهل لها ثلاثة أنفاس
نفس الخوف ونفس الرجاء ونفس المحبة
والحياة الثانية حياة الجمع من موت التفرقة لها ثلاثة أنفاس
نفس الاضطرار ونفس الافتقار ونفس الافتخار
والحياة الثالثة حياة الوجود وهي حياة بالحق لها ثلاثة أنفاس
نفس الهيبة وهو يميت الاعتلال

ونفس الوجود وهو يمنع الانفصال ونفس الانفراد وهو يورث الاتصال وليس وراء ذلك ملحظ للنظارة ولا طاقة للإشارة
- باب القبض
قال الله عز و جل ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا
القبض في هذا الباب اسم يشار به إلى مقام الضنائن الذين ادخرهم الحق اصطناعا لنفسه وهم ثلاث فرق
فرقة قبضهم إليه قبض التوفي فضن بهم على أعين العالمين
وفرقة بضهم بسترهم في لباس التلبيس وأسبل عليهم أكلة الرسوم فأخفاهم عن عيون العالم
وفرقة قبضهم منهم إليه فصافاهم مصافاة سر

فضن بهم عليهم
- باب البسط
قال الله عز و جل يذرؤكم فيه
البسط أن ترسل شواهد العبد في مدارج العلم ويسبل على باطنه رداء الاختصاص وهم أهل التلبيس وإنما بسطوا في ميدان البسط لأحد ثلاثة معان لكل معنى طائفة
فطائفة بسطت رحمة للخلق يباسطونهم ويلابسونهم فيستضئون بنورهم والحقائق مجموعة والسرائر مصونة
وطائفة بسطت لقوة معانيهم وتصميم مناظرهم لأنهم طائفة لا تخالج الشواهد مشهودهم ولا تضرب رياح الرسوم موجودهم فهم منبسطون في قبضة القبض

وطائفة بسطت أعلاما على الطريق وأئمة للهدى ومصابيح للسالكين
- باب السكر
قال الله عز و جل قال رب أرني انظر إليك
السكر في هذا الباب اسم يشار به إلى سقوط التمالك في الطرب وهذا من مقامات المحبين خاصة فإن عيون الفناء لا تقبله ومنازل العلم لا تبلغه
وللسكر ثلاث علامات
الضيق عن الاشتغال بالخبر والعظيم قائم واقتحام لجة الشوق والتمكن دائم والغرق في بحر السرور والصبر هائم
وما سوى ذلك فحيرة تنحل اسم السكر جهلا أو هيمان يسمى باسمه جورا

وما سوى ذلك فكله نقائص البصائر
كسكر الحرص وسكر الجهل وسكر الشهوة باب الصحو
قال الله عز و جل حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق
الصحو فوق السكر وهو يناسب مقام البسط
والصحو مقام صاعد عن الانتظار مغن عن الطلب طاهر من الحرج
فإن السكر إنما هو في الحق والصحو إنما هو بالحق وكل ما كان في عين الحق لم يخل من حيرة لا حيرة الشبهة

بل الحيرة في مشاهدة نور العزة
وما كان بالحق لم يخل من صحة ولم يخف عليه من نقيصه ولم تتعاوره علة
والصحو من منازل الحياة وأودية الجمع ولوائح الوجود باب الاتصال
قال الله عز و جل ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى
أيأس العقول فقطع البحث بقوله أو أدنى
وللاتصال ثلاث درجات
الدرجة الأولى اتصال الاعتصام ثم اتصال الشهود ثم اتصال الوجود
فاتصال الاعتصام تصحيح القصد

ثم تصفية الإرادة ثم تحقيق الحال
والدرجة الثانية اتصال الشهود وهو الخلاص من الاعتلال والغنى عن الاستدلال وسقوط شتات الأسرار
والدرجة الثالثة اتصال الوجود وهذا الاتصال لا يدرك منه نعت ولا مقدار إلا اسم معار ولمح إليه مشار
- باب الانفصال
قال الله عز و جل ويحذركم الله نفسه
ليس في المقامات شيء فيه من التفاوت ما في الانفصال ووجوهه ثلاثة
أحدها انفصال هو شرط الاتصال وهو الانفصال عن الكونين بانفصال إليهما

وانفصال توقفك عليهما وانفصال مبالاتك بهما
والثاني انفصال عن رؤية الانفصال الذي ذكرناه وهو أن لا يتزنا عندك في شهود التحقيق شيئا يوصل بالانفصال منهما إلى شيء
والثالث انفصال عن الاتصال وهو انفصال من شهود مزاحمة الاتصال عين السبق فإن الانفصال والاتصال على عظم تفاوتهما في الاسم والرسم في العلة سيان

قسم النهايات
وأما قسم النهايات فهو عشرة أبواب وهي
المعرفة والفناء والبقاء والتحقيق والتلبيس والوجود والتجريد والتفريد والجمع والتوحيد
- باب المعرفة
قال الله عز و جل وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق
المعرفة إحاطة بعين الشيء كما هو وهي على ثلاث درجات
والخلق فيها ثلاث فرق

الدرجة الأولى معرفة الصفات والنعوت وقد وردت أساميها بالرسالة وظهرت شواهدها في الصنعة بتبصير النور القائم في السر وطيب حياة العقل لزرع الفكر وحياة القلب بحسن النظر بين التعظيم وحسن الاعتبار وهي معرفة العامة التي لا تنعقد شرائط اليقين إلا بها
وهي على ثلاثة أركان
أحدها إثبات الصفة باسمها من غير تشبيه ونفى التشبيه عنها من غير تعطيل والإياس من إدراك كنهها وابتغاء تأويلها
والدرجة الثانية معرفة الذات مع إسقاط التفريق بين الصفات والذات وهي تنبت بعلم الجمع وتصفو في ميدان الفناء وتستكمل بعلم البقاء وتشارف عين الجمع

وهي على ثلاثة أركان
إرسال الصفات على الشواهد وإرسال الوسائط على المدارج وإرسال العبارات على المعالم وهي معرفة الخاصة التي تؤنس من أفق الحقيقة
والدرجة الثالثة معرفة مستغرقة في محض التعريف لا يوصل إليها الاستدلال ولا يدل عليها شاهد ولا تستحقها وسيلة
وهي على ثلاثة اركان
مشاهدة القرب والصعود عن العلم ومطالعة الجمع
وهي معرفة خاصة الخاصة
- باب الفناء
قال الله عز و جل كل من عليها فان ويبقى وجه

ربك
الفناء في هذا الباب اضمحلال ما دون الحق علما ثم جحدا ثم حقا
وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى فناء المعرفة في المعروف وهو الفناء علما وفناء العيان في المعاين وهو الفناء جحدا وفناء الطلب في الوجود وهو الفناء حقا
والدرجة الثانية فناء شهود الطلب لإسقاطه وفناء شهود المعرفة لإسقاطها وفناء شهود العيان لإسقاطه
والدرجة الثالثة الفناء عن شهود الفناء وهو الفناء حقا شائما برق العين راكبا بحر الجمع

سالكا سبيل البقاء
- باب البقاء
قال الله عز و جل والله خير وأبقى
البقاء اسم لما بقي قائما بعد فناء الشواهد وسقوطها وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى بقاء المعلوم بعد سقوط العلم عينا لا علما وبقاء المشهود بعد سقوط الشهود وجودا لا نعتا وبقاء ما لم يزل حقا بإسقاط ما لم يكن محوا
- باب التحقيق
قال الله عز و جل أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
التحقيق تلخيص مصحوبك من الحق ثم الحق ثم في الحق وهذه أسماء درجاته الثلاث

أما درجة تلخيص مصحوبك من الحق فأن لا يخالج علمك علمه
وأما الدرجة الثانية فأن لا ينازع شهودك شهوده وأما الدرجة الثالثة فإن لا يناسم رسمك سبقة
فتسقط الشهادات وتبطل العبارات وتفنى الإشارات
- باب التلبيس
قال الله عز و جل وللبسنا عليهم ما يلبسون
التلبيس تورية بشاهد معار عن موجود قائم وهو اسم لثلاثة معان
أولها تلبيس الحق بالكون على أهل التفرقة وهو تعليقه الكوائن بالأسباب والأماكن والأحايين وتعليقه المعارف بالوسائط والقضايا بالحجج والأحكام بالعلل والانتقام بالجنايات والمثوبة بالطاعات فأخفى الرضى والسخط اللذين يوجبان الوصل والفصل

ويظهران السعادة والشقاوة
والتلبيس الثاني تلبيس أهل الغيرة على الأوقات بإخفائها وعلى الكرامات بكتمانها والتلبيس بالمكاسب والأسباب وتعليق الظاهر بالشواهد والمكاسب تلبيسا على العيون الكليلة والعقول العليلة مع تصحيح التحقيق عقدا وسلوكا ومعاينة وهذه الطائفة رحمة من الله عز و جل على أهل التفرقة والأسباب في ملابستهم
والتلبيس الثالث تلبيس أهل التمكن على العالم ترحما عليهم بملابسة الأسباب توسيعا على العالم لا لأنفسهم وهذه درجة الأنبياء ثم هي للأئمة الربانيين الصادرين عن وادي الجمع المشيرين عن عينه
- باب الوجود
أطلق الله عز و جل في القرآن اسم الوجود صريحا في مواضع

فقال يجد الله غفورا رحيما
لوجدوا الله توابا رحيما ووجد الله عنده
الوجود اسم للظفر بحقيقة الشيء وهو اسم لثلاثة معان
أولها وجود علم لدني يقطع علوم الشواهد في صحة مكاشفة الحق إياك
والثاني وجود الحق وجود عين مقتطعا عن مساغ الإشارة
والثالث وجود مقام اضمحلال رسم الوجود فيه بالاستغراق في الأولية
- باب التجريد
قال الله عز و جل فاخلع نعليك

التجريد انخلاع عن شهود الشواهد وهو على ثلاث درجات
الدرجة الأولى تجريد عين الكشف عن كسب اليقين والدرجة الثانية تجريد عين الجمع عن درك العلم والدرجة الثالثة تجريد الخلاص من شهود التجريد
- باب التفريد
قال الله عز و جل ويعلمون أن الله هو الحق المبين
التفريد اسم لتخليص الإشارة إلى الحق ثم الحق ثم عن الحق فأما تفريد الإشارة إلى الحق فعلى ثلاث درجات
تفريد القصد عطشا ثم تفريد المحبة تلفا ثم تفريد الشهود اتصالا
وأما تفريد الإشارة بالحق فعلى ثلاث درجات
تفريد الإشارة بالافتخار بوحا وتفريد الإشارة بالسلوك مطالعة وتفريد الإشارة بالقبض غيرة

وأما تفريد الإشارة عن الحق فانبساط ببسط ظاهر يتضمن قبضا خالصا للهداية إلى الحق والدعوة إليه
- باب الجمع
قال الله عز و جل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
الجمع ما اسقط التفرقة وقطع الإشارة وشخص عن الماء والطين بعد صحة التمكين والبراءة من التلوين والخلاص من شهود الثنوية والتنافي من إحساس الاعتلال والتنافي من شهود شهودها
وهو على ثلاث درجات
جمع علم ثم جمع وجود ثم جمع عين فأما جمع العلم فهو تلاشي علوم الشواهد في العلم اللدني صرفا

فأما جمع الوجود فهو تلاشي نهاية الاتصال في عين الوجود محقا فأما جمع العين فهو تلاشي كل ما تقله الإشارة في ذات الحق حقا
والجمع غاية مقامات السالكين وهو طرف بحر التوحيد
- باب التوحيد
قال الله عز و جل شهد الله أنه لا إله إلا هو
التوحيد تنزيه الله تعالى عن الحدث وإنما نطق العلماء بما نطقوا به وأشار المحققون بما أشاروا إليه في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد
وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب العلل
والتوحيد على ثلاثة وجوه
الوجه الأول توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والوجه الثاني توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق والوجه الثالث توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة
فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن

له كفوا أحد
هذا هو التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة وإن لم يقوموا بحق الاستدلال بعد أن سلموا من الشبهة والحيرة والريبة بصدق شهادة صححها قبول القلب
هذا توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة والصنائع يجب بالسمع ويوجد بتبصير الحق وينمو على مشاهدة الشواهد
وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة

وهو إسقاط الأسباب الظاهرة والصعود عن منازعات العقول وعن التعلق بالشواهد
وهو أن لا تشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا للنجاة وسيلة فتكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها وتعليقه إياها بأحايينها وإخافة إياها في رسومها وتحقق معرفة العلل وتسلك سبيل إسقاط الحدث
هذا توحيد الخاصة الذي يصح بعلم الفناء ويصفو في علم الجمع ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع
وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه

والذي يشار به غليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا باسقاطها
هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء هذا الطريق وإن زخرفوا له نعوتا وفصلوه فصولا فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء والصفة نفورا والبسط صعوبة
وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال وله قصد أهل التعظيم وإياه عني المتكلمون في عين الجمع
وعليه تصطلم الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون أو يتعاطاه حين أو يقله سبب

وقد أجبت في سالف الزمان سائلا سألني عن توحيد الصوفية بهذه القوافي الثلاث
ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده ... ونعت من ينعته لاحد


=============

كتاب : مكفرات الذنوب وموجبات الجنة ابن الديبع الشيباني

كتاب : مكفرات الذنوب وموجبات الجنة ابن الديبع الشيباني

الله يدعونا إليهالدلائل على حب الله تعالى لعباده في القرآن الكريم لا تحصى وأهمها : قبوله تعالى توبة العصاة ، والتجاوزعن سيئاتهم، والإنعام بالرضا، والحب بعد الغضب، ومن ذلك قوله تعالى : (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله).
(استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) .
(يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مغَفِرَةٍ للنَّاِس عَلَى ظُلمِهِم).
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ).
(أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى الله ويَستَغفِرونَهُ واللهُ غَفُورُ رَحيمٌ).
(فَإِن تُبتُمُ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم) .
(ثُمَّ تَابَ علَيهِم لِيَتُوبُوا).
(وَاستَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إلَيهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
(وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفِلحُونَ).
(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سِّيئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
(فَأَمَّا من تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكونَ من المُفلِحِينَ).
(حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ العَلِيم غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ).
(وهُوَ الَّذِي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئاتِ).
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوبَةً نَصُوحاً) .
(وَهَل نُجَازِى إلاَّ الكَفُورَ) . ؟ إلى آيات كثيرة تدعو الخاطئين إلى رحاب الله الودود الرحيم التواب الغفور، بعد ما بارزوه بالعصيان فسبحانه من متفضل منعم في حالي الطاعة والعصيان.
وتدل الآيات على: أن الله تعالى يبسط يديه بالرحمة والمودة الفائضة على العباد ليقبل توبتهم، ويمحو سيئاتهم.
ومن رحمته تعالى: أن يبدل سيئات التائب حسنات جزاء له على توبته ورجوعه إلى رحابه.
التوبة والاستغفار باب من أبواب القوة والثروة والغنى للإنسان ماديا ومعنويا.
ليس الله تعالى محبا للانتقام والتعذيب للمؤمنين ولكنه رحيم ودود للمؤمن الراجع إليه.
لا يحل غضب الله حقيقة إلا على الكافر المصر على الكفر ، والمصر على الذنب، المستهتر بحرمات الله، أما النادم فهو قريب من رحمة الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: الندم توبه.
لقد علم الله الإنسان كلمات التوبة وأعمالها بعد أن عصاه: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ). فلا رحمة ولا مودة أعظم من ذلك، وما زال الرحمن الرحيم يبسط يديه إلى عباده ليقبل عنهم التوبة حبا لهم، وهو غنى عنهم.
التوبة والإيمان والعمل الصالح باب الفلاح في الدنيا والآخرة .
والرسول يرشدنا إلى الطريققال الله تعالى لرسوله الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ).
وقال الله عنه صلى الله عليه وسلم: (لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفٌسكٌم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءٌوفٌ رَحِيمُ).
وعليه فقد بعثه الله رحمة للمؤمنين وغير المؤمنين، وانفرد المؤمنون بالرأفة والحرص منه صلى الله عليه وسلم .
ولهذا تكررت إرشاداته صلى الله عليه وسلم للناس أن يسرعوا بالتوبة من الذنوب، واستغفار الله إياها، رحمة بهم، ومن ذلك: أخرج مسلم عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال:)يا عبادي،إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم(. وهذا معنى قوله تعالى: (لا تَقنَطُوا مِن رَحمةِ الله إِنَّ الله يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وتنبيه إلى أن الخطأ من طبيعة الإنسان.
واخرج مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم(.

وهذا لأن الذنب المقرون بالاستغفار فيه زيادة معرفة بالله، وإقرار بالعبودية له، والذل بين يديه، وذلك أحب إلى الله من طاعة مقرونة بالعجب والنسيان .
وأخرج مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تعالى أنه قال: )أذنب عبدي ذنبا فقال: اللهم أغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا ، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم أغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك(.
وهذا الحديث شرح للحديث قبله، وإشارة إلى أن تلك المغفرة لغير المصرين على الذنوب، وإلى أنها لمن يحسن الخوف والرجاء على حقيقتهما. وهو مصداق قوله تعالى: (فَاعلَم أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاستَغفِر لِذَنبِكَ). وليس العلم بلا إله إلا الله سهلا كما يبدو، بل هو من أصول السلوك. فهو يقتضي أن يسلك المؤمن في حياته موقنا أنه لا نافع ولا ضار سواه، ولا يتوكل على أحد سواه، ولا يجزع إن قضى عليه بما لا يوافق هواه، ويوقن أن كل ما يرد عليه من القضاء فإنما هو خير .
وأخرج مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: )أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تبارك وتعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك(.
يتألى: يقسم. أحبطت: أبطلت ثوابه وإنما غضب الله على هذا الرجل لأنه حجر واسعا من رحمة الله، ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وأخرج أبو داود عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )كان رجلان في بنى إسرائيل متآخيين أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت على رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أولا يدخلك الجنة. فقبض الله أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين. فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما، أو على ما في يدي قادرا " ؟ وقال للمذنب: اذهب ادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار( قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
أقصر: كف عن ذنبك. أوبقت: أهلكت.
والحديث شرح للحديث الذي قبله، وفيه بيان العلة في غضب الله على من يجزم بأن الله لا يغفر لإنسان مذنب.
وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: )يا بن آدم، إِنَّكًَّ مَا دَعَوتَني ورَجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا بن آدم، لو بلَغت بك ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا بن آدم، لو أَتَيتَني بِقُرَاب الأَرض خطايا، ثم لقيتَني لا تشرك بي شيئاً إِ أَتيتُك بِقٌرابِها مغفرة(.
عنان السماء: أعلاها. قراب الأرض: ملء الأرض.
وتلك المغفرة لأهل الدعاء والاستغفار والبراءة من الشرك الظاهر، والخفي.
وأخرج مسلم عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يأيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة( وتوبة الرسول ليست من الآثام، وإنما هي من منازل المعرفة الله التي ارتقى عنها إلى أعلا منها ، فرآها ناقصة وكان دائم الارتقاء في المعرفة.
وأخرج البخاري عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: )والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة(.
وأخرج مسلم وأحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )لله أشد فرحا بتوبة أحدكم حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح( .
فلاة: لا نبات فيها. أيس: يئس. راحلته: ناقته. الخطام:الزمام .
وأخرج مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:)إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل(.

واليد وصف حميد نثبت ظاهرة لله تعالى، ونكل علم حقيقته إليه تعالى كما كان عليه الصحابة.
وأخرج مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه(.
وليس معنى هذا الدعوة إلى التسويف بالتوبة، بل هو إخبار عن الواقع في شأن العباد، وأن باب التوبة مفتوح حتى تظهر هذه العلامة التي لا ندري متى تظهر.
وأخرج الترمذي عن صفوان بن عسال قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم باباً من المغرب عرضه - أو مسيرة الراكب في عرضه - أربعون أو سبعون عاما قبل الشام، خلقه يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.
أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح وأخرج الترمذي وأبن ماجه بسند قوي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )كل بني آدم خطاءون، وخير الخطائين التوابون(.
وأخرج الترمذي وابن ماجه والدارمي عن ابن عباس وأنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
والحديث يشير إلى أن المال سبب رئيسي من أسباب فساد الإنسان، واختلال توازنه، وضلاله في الدين.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإن فيها ناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائبا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك بصورة آدمي فجعلوه بينهما حكما فقال: قيسوا ما بين الأرضيين فإلى أيهما كان أقرب فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة(.
وفي رواية: )فكان إلى الأرض الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها(.
وفي رواية: )فأوحى الله تعالى إلى هذه: أن تقربي وإلى هذه: تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، وهو معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: )سبقت رحمتي غضبي(. ودعوة من الله إلى الرجاء مع الإقلاع عن الذنب، فالرجاء هنا صحيح مستجاب.
وأخرج البغوي في شرح السنة، قال لقمان الحكيم لابنه: )عود لسانك: اللهم أغفر لي. فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا(.
وأخرج عن زيد بن أسلم: ) يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: انطلقوا به إلى النار. فيقول: يا رب، أين صلاتي وصيامي؟ فيقول الله عز وجل: اليوم اقنطك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها(.
وعلى هذا درج كثير من الوعاظ في عصرنا الحاضر، وأهملوا الوجه المقابل، وهو: تحبيب الله إلى العباد، بذكر رحمته وسعتها مع الحث على التوبة.

التوبة وحقيقتهاقال رجال السلوك: التوبة أول منزلة من منازل السالكين، وأول مقام من مقامات الطالبين.
وهي في لغة العرب: الرجوع. يقال: تاب، أي رجع. فالتوبة: الرجوع عما كان مذموماً في الشرع إلى ما هو محمود فيه.
وأجمع العلماء على أن التوبة واجبة من كل ذنب.
فإن كانت معصية بين العبد وبين الله تعالى، فلا تتعلق بحق آدمي، فلها شروط ثلاثة: أحدها: أن يقلع عن المعصية.
الثاني: أن يندم فعلها.
الثالث: أن يندم على ألا يعود إليها أبدا.
فإن كانت معصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة المتقدمة.
والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها.
فإن كان مالا، أو نحوه رده إليه. وإن كان غيبة استحله منها.
وإن كان حد قذف، أو نحوه مكنه من القصاص أو طلب عفوه.
والتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته مما تاب منه، وبقى عليه ما لم يتب منه.
ويقول الجنيد بن محمد البغدادي: التوبة على ثلاث معان: أولها: الندم. والثاني: يعزم على ترك المعاودة. والثالث: يسعى في أداء المظالم.

وإن كان استحلال صاحب الحق يترتب عليه قتل المذنب كالاستحلال من الزنا، فيكفى الاستحلال العام، كأن يقول لصاحب الحق: سامحني فيما أخطأت في حقك.
وقد تكلم العلماء في التوبة كثيراُ. ونذكر بعض أقوالهم توضيحا لحقيقتها.
قال الأستاذ أبو علي الدقاق: التوبة على ثلاثة أقسام أولها: التوبة. وأوسطها: الإنابة. وآخرها: الأوبة.
فقد جعل التوبة بداية، والإنابة وسطا، والأوبة نهاية، فمن تاب خوفا من ا لعقوبة فهو صاحب إنابة. ومن تاب استجابة للأمر، لا لرغبة في الثواب، ولا لرهبة من العقاب، بل حبا لله فهو صاحب أوبة، وهو أعلاها مقاما.
وقال أبو القاسم القشيرى: التوبة صفة المؤمنين. قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاُ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ) والإنابة صفة الأولياء والمقربين قال تعالى: (وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنِيبٍ) والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: ( نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
وقال ذو النون المصري: توبة العامة من الذنوب وتوبة الخاصة من الغفلة عن ذكر الله، وتوبة الأنبياء من رؤية الأكوان.
وعلى هذا أيضا يفسر قوله صلى الله عليه وسلم: ) فإني أتوب إلى الله كل يوم مائة مرة (.
وقال الجنيد البغدادي: التوبة: أن تقبل على الله بالكلية كما أعرضت عنه بالكلية. ويؤيده قوله تعالى: (إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاُ).
وقال سهل بن عبدالله: التوبة هي: الندم والإقلاع والتحول عن الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة. وهو معنى حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: )الندم توبة(. وهو في مسند الإمام أحمد.
والله تعالى يسعف العبد بالعون والتوفيق إلى التوبة التي تحركت نفسه إلى تحقيقها، وتشوقت إليها، وضاقت بما هي عليه من ذنب. وقد بين القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (وَضَاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِمَا رَحبَت وَضَاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنُّوا أَن لاَ مَلجَأَ مَن الله إِلاَّ إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا).
ولهذا قال رويم البغدادي: التوبة هي إسقاط رؤية التوبة. أى إسقاط رؤيتها صادرة من نفس المسلم، بل منه من الله إليه، وهو منفذ لها بعد ما تحركت نفسه إليها، وصدق افتقاره إلى ربه، ولم يجد له مفرا من نفسه غلا إلى الله تعالى، وصدق في التخلق بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فحينئذ يسعفه الله تعالى بالتوفيق إليها، ويعينه على تحقيقها.
وهل ينسى التائب ذنوبه التي تاب عنها؟ أو يذكرها ليندم عليها؟ والإجابة على هذا في مناقشة حدثت بين السري السقطي، وشاب من العباد، رواها الجنيد البغدادي، قال: دخلت على السري فوجدته متغيرا، فقلت له: مالك؟ قال: دخل على شاب فسألني عن التوبة، فقلت: ألا تنسى ذنبك، فعارضني وقال: التوبة أن تنسى ذنبك. فقلت: وإن الأمر عندي كما قال الشاب. فقال: ولم؟ قلت: لأني كنت في حال الجفاء، فنقلني إلى حال الصفاء، فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت.
أقول: وهذا حق، لأن من شرط التوبة: العمل الصالح، وذكر الذنب ربما عطل عن العمل إذا أصيب التائب بالكآبة من أجله، ويخطىء البعض فيذكرون ما كان منهم من الذنب على سبيل التسلية، وهو خطأ فاحش، وحنين إلى تلك الذنوب في الحقيقة.
والتوبة النصوح لا يبقى على صاحبها أثر من المعصية لا سرا ولا جهرا. ويقول ابن عطاء: من كانت توبته نصوحا لا يبالي كيف أمسى وأصبح، يعني: لا يبالي بما كان منه قبل التوبة، فقد محاه الله من صحيفة عمله.
والتوبة يجب أن تعم الجوارح كلها، وقد أوضح ذو النون المصري ذلك في قوله: على كل جارحة لابن آدم توبة، فتوبة القلب: أن ينوى ترك المحظورات، وتوبة العينين: الغض عن المحارم، وتوبة اليدين: ترك تناول مالا يحل، وتوبة الرجلين: ترك السعي في الملاهي، وتوبة السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل، وتوبة الفرج: القعود عن الفواحش.
وقال عن التوبة النصوح: إنها إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف من الرجوع إلى الذنب، وهجران قرناء السوء، وملازمة أهل الحياء.
أقول: وهو مخالف للرأي القائل: بوجوب نسيان الذنب، وفي كل خير إذا صلح القلب.

الخوف والرجاءأقول: إن الذنوب يجب أن يقترن بها الخوف، والتوبة. والأعمال الصالحة يجب أن يقترن بها الرجاء.

ويخطىء كثير جدا من الناس، فيستعملون الرجاء في غير موضعه، إذ يرجون ، وهم مقيمون على الذنوب، ويقولون: إن الله واسع المغفرة، وهو الغفور الرحيم، وليس هذا رجاء، وإنما هو الغرة بالله، وفرق بين الغرة والرجاء.
وقد ضرب المحاسي مثلا لهؤلاء المخطئين في استعمال الرجاء فقال: مثلهم كمثل سيد قال لعبده: إن فعلت ما أمرتك به أعطيتك ألف درهم وبيتا تسكنه، وإن لم تفعل حبستك وضربتك ألف سوط، فلم يفعل العبد ما أمر به، وقال: إن سيدي يحبني وسيعطيني ما وعدني، وذهب إليه بهذا الأمل الكاذب ، فضربه، وحبسه،ولم يعطه شيئا.
فالاستعمال الصحيح للرجاء هو الإقلاع عن الذنب، والبدء في ممارسة الأعمال الصالحة. وهنا يكون الرجاء الحق.
أما الخوف فيجب أن يقترن بالخطأ واقتراف الذنوب، فربما أدى الخوف إلى التوبة.
أما الرجاء مع الذنب فيؤدى إلى الغرة. ثم الانسلاخ من الدين.

ما يكفر الذنوب ما تقدم منها وما تاخرعن معاذ بن أنس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) من لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(.
أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن. والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وأخرج ابن أبى شيبة، والمروذى في مسنده، وقال المنذري: رجاله ثقات؛ عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(.
والمراد: الدوام على إسباغ الوضوء، لا المرة الواحدة، لأن إسباغ الوضوء شرط في صحة الصلاة، ودلالة على عناية العبد بالصلاة، وشدة المعرفة بجلال الله والصلوات الخمس مع المعرفة كفارات لما بينهن بنص الحديث.
وأخرج ابن السنى في عمل اليوم والليلة وأبو نعيم في الحلية، وأحمد في الزهد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما من عبدين متحابين في سبيل الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحة؛ ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يفترقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر(.
وأخرج عبدالرحمن بن عبدالواحد بن عبدالكريم ابن هوازن القشيري في الأربعين عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قرأ إذا سلم يوم الجمعة قبل أن يثنى رجليه فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، سبع مرات غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطى من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر(.
وأخرج أبو داود عن أم سلمة قالت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة(.
وعن أبى هريرة، والحسن بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:)من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(.
احتسابا: إخلاصا لله تعالى.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من علم القرآن نظرا غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر(.
ما يكفر ما تقدم من الذنوبعن عثمان أنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه ثلاث مرات. ثم أدخل يمينه في الوضوء. ثم تمضمض واستنشق واستنثر. ثم غسل وجهه ثلاثا. ثم مسح برأسه. ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا. ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: )من توضأ نحو وضوئي هذا. ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه البخاري وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا قال الإمام: (غَيرِ المَغضُوب عَلَيهِم وَلا َالضَّاِّلين).
فقولوا: آمين فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائي.
عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجه.

عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) من توضأ كما أمر غفر له ما تقدم من عمل(. يعنى: من عمل الذنوب.
أخرجه النسائي عن عثمان بن عفان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: ) من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم أتى المسجد، فركع فيه ركعتين، غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من توضأ وضوءه، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر له ما تقدم من ذنبه(.
أخرجه أبو داود

ما يخرج الإنسان من الذنوب كيوم ولدته أمهأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه(.
والمراد أن يكون الحج لله وحده، وأن يكون من مال حلال خالص. والرفث: الجماع، وكل لغو ومجون، وزور.
وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.
عن أبى سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال: حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.
أخرجه النسائي وابن ماجه عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من أضحى يوما محرما ملبيا حتى غربت الشمس، غربت بذنوبه كما ولدته أمه(.
أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من صلى الفجر - أو قال: الغداة - فقعد في مقعده. فلم يلغ بشىء من أمر الدنيا، يذكر الله عز وجل حتى يصلى الضحى، ثم صلى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.
أخرجه ابن السني عن عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )من قال حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله الله ثلاث مرات لم يقم حتى يصير كما ولدته أمه(. والمراد: التحقق السلوكي بالكلمة، لا مجرد النطق بها.
أخرجه ابن السني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.
أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.
أخرجه الشيخان والطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من مشى إلى حاجة أخية المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة إلى أن يرجع من حيث فارقه، إن قضيت حاجته خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. إن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب(.
أخرجه أبو يعلى الموصلي
ما يكفر الذنوب وإن كانت مثل زبد البحرعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) من سبح اله تعالى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر(.
أخرجه مالك في الموطا، ومسلم، وأبو داود، والنسائي والطبراني وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قال إذا أصبح مائة مرة وإذا أمسى مائة مرة: سبحان الله وبحمده، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر(.
أخرجه ابن حبان في صحيحه. والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، إلا كفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر(. يعنى التحقق بذلك.
اخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. والنسائي.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من سبح الله تعالى دبر كل صلاة مكتوبة مائة مرة، وهلل مائة مرة، وكبر مائة مرة، غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر(.
أخرجه النسائي وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من سبح الله دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، وكبر مائة تكبيرة، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر(.

أخرجه النسائي وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر. أو قال: أكثر من زبد البحر(.
أخرجه ابن حبان، وابن السني متصلا، والنسائي موقوفا.
عن معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يصلى ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا، غفرت له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر(.
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من قال بعد الفجر ثلاث مرات، وبعد العصر ثلاث مرات: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، كفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر(.
أخرجه ابن السني وأبو نعيم الأصفهاني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من حافظ على صلاة الضحى غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر(.
أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما على وجه الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر(.
أخرجه الحافظ حميد بن مخلد بن زنجويه النشوي في ترغيبه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ما من عبد يقول عند رد الله روحه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر(.
رد الروح: الصحو من النوم أخرجه ابن ماجه، والنسائي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله العظيم لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مرات، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر(.
أخرجه ابن السني، والطبراني في الأوسط، ولم يذكر الحي القيوم وقال: وإن كانت.
عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد النجوم، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن كانت عدد أيام الدنيا(.
عالج: رمال بين فيد والقريات على طريق مكة.
أخرجه الترمذي وقال. حسن عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قال: سبحان الله وبحمده، في كل يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر(.
أخرجه البخاري، وأحمد، وابن ماجه، ومسلم.
عن محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت عمار ابن ياسر يصلى بعد المغرب ست ركعات وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد المغرب ست ركعات وقال: )من صلى بعد المغرب ست ركعات حطت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر(.
أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )إن المسلم إذا لقى أخاه فأخذ بيده تحاتت ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وغفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر(.
تحاتت: سقطت.
أخرجه الطبراني وأحمد في الزهد عن أبي ذر الغفاري قال: كلمات من ذكرهن مائة مرة دبر كل صلاة: )الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم لو كانت ذنوبه مثل زبد البحر لمحتهن(.
أخرجه الإمام أحمد

ما يغفر الذنوب وإن كان قد فر من الزحفعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف(.
أخرجه ابو داود، والترمذي، والحاكم وقال. صحيح على شرط البخاري ومسلم.
عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) من استغفر الله في دبر كل صلاة ثلاث مرات فقال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف(.
أخرجه ابن السني، وأبو نعيم.

وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قال دبر كل صلاة: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف(.
أخرجه الطبراني في الأوسط والمراد: أن يكون هذا الذكر بحضور كامل للقلب، ونفي كامل لجميع ما يشغل عن معاني الذكر والتلبس بها، حتى يكون الذكر بالقلب واللسان والهمة والعقل، وان تخضع الجوارح لما يقتضيه من أحكام.

ما يغفر الذنوب بوجه عامعن أبي سعيد الخدري، وأبى هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: )ما يصيب ابن آدم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه(.
أخرجه البخاري ومسلم عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا(.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا، وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما(. تكاشرا: تبسما.
أخرجه ابن السني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظرها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء. فإذا غسل رجليه خرجت من رجليه كل خطيئة مشتها رجله مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب(.
أخرجه مالك، ومسلم، والترمذي، وقال: حسن صحيح عن ابى أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من جلدها(.
أخرجه الطبراني عن أم هانيء بنت أبي طالب قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )قول لا إله إلا الله لا تترك ذنبا، ولا يشبهها عمل(.
أخرجه الحاكم في المستدرك والمراد: قولها والعمل بمقتضاها، فلا يخضع المؤمن إلا الله، ولا يخاف إلا منه، ولا يهاب إلا إياه، ولا يعمل إلا لوجهه وحده.
عن أنس قال: قيل: يا رسول الله الرجل يكون قصير العمر كثير الذنوب. قال: كل آدمى خطاء، فمن كانت له سجية عقل، وغريزة يقين، لم تضره ذنوبه شيئا. قيل: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: كلما أخطأ لم يلبث أن يتوب، فيمحى ذنبه، ويبقى فضل يدخله الجنه(.
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله، وما عليه خطيئة(؟ أخرجه الترمذي، ومالك في الموطأ عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما من حافظين يرفعان إلى الله تعالى ما حفظا من عمل عبد في ليل أو نهار، فيجد في أول الصحيفة وآخرها خيرا، إلا قال الله تعالى لملائكته: أشهدكم أني غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة(.
أخرجه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا، وفي رواية: نبيا، غفر له(.
أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن أبي بكر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: )ألا أقرئك آية أنزلت علي؟ قلت: بلى. فأقرأني: (لَيسَ بأَمَاِنِّيكُم وَلاَ أَمَانِّي أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بِهِ). فلا أعلم إلا أني وجدت في ظهري انفصاما، فتمطأت لها، فقال: ما شأنك يا أبا بكر؟ فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، وأينا لم يعمل سوءا؟ وإنا لمجزيون بما عملنا؟ قال: أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون في الدنيا، حتى تلقوا الله، وليس عليكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة(.
أخرجه الترمذي وأحمد

عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، سره وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلى أربع ركعات، تقرأ في كل سورة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة قلت وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر. خمس عشر مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشر مرات، ثم تهوى ساجدا، فتقولها عشر مرات، وأنت ساجد، ثم ترفع رأسك من السجود، فتقولها عشرا، ثم تسجد وتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا. فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، فافعل ذلك في أربع ركعات. إن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة(.
أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي والطبراني وفي آخره: )ولو كانت ذنوبك مثل زبد البحر ورمل عالج غفر الله لك(.
ورغم ما يثور حول هذه الصلاة وهذا الحديث من كلام فإن كثيرا من السلف حافظوا عليها، وجربوا خيرها قال المعافى بن عمران: )ما وجدت للنوازل مثل صلاة التسبيح(.
عن أبي بكر قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: (مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بَهَ)؟. فكل عمل عملنا جزينا به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: )غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تصيبك اللأواء؟( قال: بلى. قال: )فهو ما تجزون به( اللأواء: الشدة وضيق المعيشة.
أخرجه أحمد والترمذي بمعناه عن أبي هريرة وحسنه وذلك بشرط أن يحتسب العبد ما يصيبه لله، ولا يجزع منه، بل يرضى به، ويحبه لأنه قضاء الله.
عن علي قال: كنت إذا سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم حديثا، نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وحدثني أبو بكر، وصدق ابو بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما من مسلم يذنب ذنبا، ثم يتوضأ فيصلى ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له(. وقرأ هاتين الآيتين: (وَمَن يَعمَل سُوءًا أَو يَظلِم نَفسَه ثُمَّ يَستًغفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً).
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم).
أخرجه أحمد الترمذي عن علي قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى؟ حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعَفو عَن كَثِيرٍ). وقال: سأفسرها يا علي. )ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله تعالى أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله تعالى عنه في الدنيا، فالله تعالى أحلم من أن يعود بعد عفوه(.
أخرجه الإمام أحمد، والحاكم في المستدرك وصحيحه عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )من أتم الوضوء، كما أمره الله فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن(.
أخرجه الإمام أحمد في المسند عن عقبة بن عامر أنه خرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس يوما يحدث أصحابه فقال: )من قام إذا استقلت الشمس فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين غفرت له خطاياه فكان كما ولدته أمه(. قال عقبة بن عامر: فقلت: الحمد لله الذي رزقني أن أسمع هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال لي عمر بن الخطاب، وكان تجاهي جالسا: أتعجب من هذا؟ فقد قال رسول الله، صلى الله وسلم أعجب من هذا قبل أن تأتي. فقلت: وما ذاك بأبي أنت وأمي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من توضأ فأحسن الوضوء، ثم نظر إلى السماء، فقال: أشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء(.
أخرجه الإمام أحمد، وأخرج أصله مسلم وأبو داود

عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، أن أبا موسى جاء إلى الحسن بن على يعوده، فقال له علي: أعائدا جئتت أم شامتا؟ قال: لا، بل عائدا، فقال له علي: إن كنت جئت عائدا، فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: )إذا عاد الرجل أخاه المسلم، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسى، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح(.
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم - خرافة الجنة: اجتناء ثمر الجنة.
عن عثمان أنه دعا بطهور فتطهر، ثم قال سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: )من تطهر كما أمر، وصلى كما أمر، كفرت عنه ذنوبه( فاستشهد على ذلك اربعة من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: فشهدوا بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم(.
أخرجه الإمام أحمد، وسنده صحيح عن أبان بن عثمان قال: قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )أرأيت لو أن بفناء أحدكم نهرا يجرى، يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما كان يبقى من درنه؟ قالوا: لا شيء. قال: الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن(.
أخرجه أحمد وابن ماجه والشيخان والمراد: الصغائر. أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة النصوح، والعمل الصالح تعويضا عما اقترف.
عن علي قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك، مع أنك مغفور لك؟ لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السموات السبع، ورب العرض العظيم، الحمد لله رب العالمين(.
أخرجه الإمام أحمد، والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رأى الفضل بن عباس، يلاحظ امرأة عشية عرفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا بيده على عين الغلام وقال: )إن هذا يوم من حفظ فيه بصره ولسانه غفر له(.
قال هنا: معناها وضع.
أخرجه الإمام أحمد في المسند عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من أمرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، يسأل عن كفارتها، فأنزل الله تعالى: (أَقِمِ الصلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ) فقال: يا رسول الله، ألي هذه؟ فقال: )بل لأمتي(.
أخرجه الترمذي وأحمد عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة(.
أخرجه الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال: )إني قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال ما شئت. قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قال: قلت الثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك(.
أخرجه الترمذي وقال: حسن، وابن أبي شيبة مختصرا لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة لا محالة وثوابها مضمون لا محالة.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )صلوا على، فإن الصلاة على كفارة لكم، فمن صلى علي مرة، صلى الله عليه عشرا(.
رواه البزار عن أبي كاهل قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )يا أبا كاهل، من صلى على كل يوم ثلاث مرات، وكل ليلة ثلاث مرات، حبا، أو شوقا إلى، كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذات اليوم(.
أخرجه ابن أبي عاصم أقول: المراد من جميع الأذكار: العمل بها، لا مجرد ذكرها باللسان.

ما يوجب الجنةعن ابن عمر قال: )يجىء القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا رب، لكل عامل عمالة، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم فأكرمه. فيقال: ابسط يمينكن فيملأ من رضوان الله. ثم يقال: ابسط شمالك، فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة، ويحلى حلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة(.
أخرجه الدارمي في سننه عن أبي أيوب الأنصاري: أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال القوم: ماله؟ ماله؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصل الرحم(.
أخرجه البخاري

عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وقال بأصبعيه السبابة والوسطى(.. قال: أي أشار أخرجه البخاري عن أبي عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما من مسلم تدرك له ابنتان، فيحسن إليهما ما صحبتاه، أو صحبهما - إلا أدخلتاه الجنة(.
أخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي وائل قال: قال ابن مسعود: خصلتان، يعني: إحداهما سمعتها من رسول الله، صلى عليه وسلم والأخرى من نفسي: )من مات وهو يجعل لله ندا أدخل النار( وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا، ولا يشرك به شيئا دخل الجنة..
أخرجه الإمام أحمد في المسند عن ابي سعيد الخدري، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: )من قال: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وجبت له الجنة(.
رواه أبو داود والرضى بذلك كله هو عين العمل الموجب للجنة، لا مجرد القول باللسان.
عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ) من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، وجبت له الجنه(.
أخرجه النسائي عن سهل بن معاذ، عن أبيه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:)من صلى صلاة الفجر، ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة(.
أخرجه ابن السني وأبو يعلي الموصلي عن أبي أمامه صدى بن عجلان الباهلي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )من قرأ خواتيم سورة البقرة في ليل أو نهار، فمات من يومه أو ليلته، فقد أوجب الله له الجنة(. وذلك بشرط العمل بما فيها، لا مجرد القراءة.
أخرجه البيهقي.
وعنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )من قال دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم اعط محمدا الوسيلة. اللهم اجعل في الصديقين صحبته، وفي العالمين درجته، وفي المقربين ذكره، فقد استوجب علي الشفاعة ووجبت له الجنة(.
أخرجه ابن السني وذلك لأن المواظبة على ذلك تورث حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وحبه يورث متابعته، والسير على منهاج سنته.
عن أبي الأسود الدؤلي قال: أتيت المدينة فوافيتها، وقد وقع فيها مرض، فهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فمرت جنازة فأثني على صاحبها خير، فقال عمر: وجبت، ثم مر بأخرى، فأثنى على صاحبها خير، فقال: وجبت، ثم مر بالثالثة، فأثنى، فأثنى على صاحبها شر. فقال: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلت كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )أيما مسلم شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة(. قلنا: وثلاثة؟ قال : وثلاثة )قلنا: واثنان؟ وقال: واثنان ولم نسأله عن الواحد(.
أخرجه الترمذي وأحمد عن ابي هريرة قال: أقبلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلا يقرأ: (قٌل هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَم يَلِد، وَلَم يُولَد وَلَم يكُن لَهُ كُفواً أَحَدٌ). فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وجبت فقلت له: ماذا يا رسول الله؟ قال: الجنة.
أخرجه ابن السنى عن حنظلة الكاتب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: )من حافظ على الصلوات الخمس، ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله تعالى، وجبت له الجنة( أو قال: )حرم على النار(.
أخرجه الطبراني في الكبير، والإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: )من وافق صيامه يوم الجمعة، وعاد مريضا وشهد جنازة، وتصدق، أو أعتق، وجبت له الجنة(.
أخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده عن ابي أمامة الباهلي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )من صلى الجمعة وصام يومه، وعاد مريضا وشهد جنازة، وشهد نكاحا، وجبت له الجنة(. أقول ولا يجوز إفراد الجمعة بالصوم.
أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس أن أبا بكر الصديق، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كئيب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: )ما لي أراك كئيبا(؟ قال: يا رسول الله، كنت عند ابن عم لي البارحة، وهو يكيد بنفسه. قال: )فهلا لقنته لا إلا الله(؟ قال: قد فعلت. قال: فقالها؟ قال: نعم. قال: وجبت له الجنة. قال ابو بكر: يا رسول الله، كيف هي للأحياء؟ قال: )هي أهدم لذنوبهم(. يكيد بنفسه: أى في النزع الأخير.

أخرجه أبو يعلى الموصلي عن عقبة بن عامر، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنه قال:)من أثكل ثلاثة من صلبه، واحتسبهم على الله في سبيل الله، وجبت له الجنة(. أثكل مات له.
أخرجه الإمام أحمد والطبراني.ورجاله ثقات.
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال )من سلم على عشرين رجلا من المسلمين، في يوم واحد جماعة أو فرادى، ثم مات من يومه ذلك، وجبت له الجنة(.
أخرجه الطبراني والمقصود روح السلام، وهو الحب بين المؤمنين والترابط بينهم في الله، ولله.
عن عمرو بن مالك القشيري قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: )من ضم يتيما من بين أبوية إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة(.؟ أخرجه الإمام أحمد والطبراني

سعة رحمة الله تعالىقال الله تعالى: (إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ).
فالإحسان في العمل، وعمل الصالحات هو الذي يقرب من رحمة الله تعالى، وليست رحمته تنال بالتمنى، ولكن شرطها الإحسان.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )إن الله عز وجل لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي تغلب غضبي(. وفي رواية: سبقت غضبي.
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمه منها مثل طباق السموات والأرض فجعل منها في الأرض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحوش والطير بعضهم على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة(. وفي بعض الطرق: )حتى يرحم الله بها عباده يوم القيامة(، وفي رواية: )حتى أن إبليس لعنه الله ليتطاول إليها رجاء أن يصيب منها(.
أخرجه مسلم. وأخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد عن عمر قال: قدم علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم سبى، فإذا امرأة من السبى تسعى، حتى إذا وجدت صبيا من السبى فألصقته بقلبها، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار(؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر على الا تطرحه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )الله أرحم بعباده من هذه بولدها(.
أخرجه البخاري ومسلم وعن أبي موسى قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )إذا كان يوم القيامة، دفع الله لكل مسلم يهوديا " أو نصرانيا فيقول: هذا فداؤك من النار(.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمتي أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا: الفتن، الزلازل؛ والقتل(.
أخرجهما أبو داود وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله، عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما يقولون له(. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: )إن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم ربنا. قال: وما حملكم على ذلك: عفوك ورحمتك ورضوانك. فيقول: إني قد أوجبت لكم رحمتي(.
أخرجه الطيالسي في مسنده وأحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )إن الله عز وجل، مستخلص رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب فيقول: بلى لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله عز وجل شىء(.
أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد معه شيء من الخير، إلا أنه يخالط الناس، وكان موسرا فيأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله عز وجل أنا أحق بذلك، تجاوزا عن عبدي(.
أخرجه مسلم

وعن ابن عمر، أنه قيل له: كيف سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعته يقول: )يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه، حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول رب أعرف. قال: فيقول: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى صحيفة حسناته. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق: (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبَّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
أخرجه مسلم وهذا للمؤمن بنص الحديث. والمؤمن هو المعتقد بقلبه وحدانية الله ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم، العامل بما فيها، فتصبح سيئاته متبوعة بالتوبة والرجوع إلى الحق.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )ما أحد من المسلمين يصاب ببلاء في جسده، إلا أمر اله الحفظة الذين يحفظون فقال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير، ما كان محبوسا في وثاقي(. يعنى: في المرض.
أخرجه الدارمي حدث سعد قال: سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، أي الناس أشد بلاء؟ قال: )الأنبياء ثم الأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد، وإن كان في دينه رقة خفف عنه. ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على الأرض ماله خطيئة(.
أخرجه الدارمي عن أبي ذر قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: )اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن(.
أخرجه الدارمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )من أذهبت حبيبتيه، فصبر، واحتسب، لم أرض له بثواب دون الجنة(.
أخرجه الدارمى حبيبتيه: عينيه. احتسب: أي: صبر لله.
عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: )ومن قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو غفر الله ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت مثل رمل عالج وأيام الدنيا(.
رواه الترمذي وحسنه، ومسلم، والنسائي قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )من تعار أي: استيقظ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: رب اغفر لي - أو قال: ثم دعا - أستجيب له، فإن عزم وتوضأ وصلى قبلت صلاته(.
أخرجه البخاري، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.
عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجلسائه: )أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة(؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: )يسبح أحدكم مائة تسبيحة، تكتب له ألف حسنة، وتحط عنه ألف سيئة(.
أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. ومسلم، والنسائي، وابن حبان.
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوما لأصحابه: )قولوا سبحان الله وبحمده مائة مرة، من قالها مرة كتبت له عشرا، ومن قالها عشرا كتبت له مائة ومن قالها مائة كتبت له ألفا، ومن زاد زاده الله، ومن استغفر الله غفر له(.
أخرجه الترمذي عن معاذ بن جبل قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على حمار، فقال: )يا معاذ، هل تدرى ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله(؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: )فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله: إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم(.
اخرجه الشيخان، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، والترمذي، وابن ماجه.
عن أنس أن الرسول، صلى الله عليه وسلم قرأ - أو تلا - هذه الآية(هُوَ أَهلُ التَّقوَى وَأَهلُ المَغفِرَةِ) فقال: )قال الله عز وجل: أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله آخر فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر، فأنا أهل أن أغفر له(.
أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد والمراد: البراءة من الشرك الخفي والظاهر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: )إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك(.
أخرجه ابن ماجه ورجاله ثقات عن ابن عمر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )ثلاثة على كثبان المسك - أراه قال: يوم القيامة - يغبطهم الأولون والآخرون: رجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة. ورجل يؤم قوما وهم به راضون، وعبد أدى حق الله، وحق مواليه(.

أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله، ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم، فمنعوه، فتخلف رجل من أعيانهم فأعطاه سرا، لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم، حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، فوضعوا رؤوسهم، قام رجل يتملقني، ويتلوا آياتي، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل، أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم(.
أخرجه الترمذي، وقال: صحيح، والنسائي، وابن حبان، والحاكم.
عن البراء بن عازب، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول: )اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ، ولا منجا، إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مات مات على الفطرة(.
أخرجه الدارمي، والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في الجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من الجنة أحد(.
قنط: يئس أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )خلقان لا يحصيهما رجل مسلم، إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويحمده عشرا، ويكبره عشرا - قال: فأنا رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعقدها بيده - قال: فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك، تسبحه ثلاثا وثلاثين، وتحمده ثلاثا وثلاثين، وتكبره أربعا وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة(؟.
يعني: يغفر بها ألفين وخمسمائة سيئة.أخرجه الترمذي وقال.حسن صحيح، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان وصححه.
عن كعب بن عجرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )معقبات لا يخيب قائلهن: تسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمده ثلاثا وثلاثين، وتكبره ثلاثا وثلاثين(.
أخرجه مسلم، والنسائي، والترمذي وقال حسن عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها: رجل يؤتي به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا؟ فيقول: نعم، لايستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: إن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: يارب، قد عملت أشياء لا أراها ههنا؟! قال: فلقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضحك حتى بدت نواجذه(.
أخرجه مسلم والترمذي عن أبي سعيد، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: )إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر أي البعيد في الافق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال أمنوا بالله وصدقوا المرسلين(.
أخرجه البخاري، ومسلم، والدارمي عن أبي سعيد، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: )إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يأهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتهم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربنا، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا(.
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ما منكم أحد يدخله عمله الجنة، ولا ينجيه من النار. قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله برحمته(.
أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد.

عن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )إن من عباد الله لأناسا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله. قالوا: يا رسول الله فخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون اذا حزن الناس(.
أخرجه أبو داود عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثيا، كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
أخرجه البخاري عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن المقام المحمود، فقال: هو الشفاعة.
أخرجه الترمذي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )من قال حسين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا كما وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة(.
أخرجه البخاري، والترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، والنسائي عن صهيب، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: )عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله إلى خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له(.
وحقيقة الشكر: الاعتراف بالمنة لله تعالى في النعمة، واستعمال النعمة فيما يرضى المنعم. وحقيقة الصبر: السكون تحت سلطان الأقدار، فيما ينزل بالعبد، دون جزع ولا شكوى للخلق، ولا يأس من رحمة الله.

احذر نفسك أن تحبط عملكأقول: تبين لنا من كل ما نقلناه من السنة المطهرة: أن مباني الإسلام الخمسة، كل واحد منها يكفر الذنوب والخطايا ويهدمها، وأن: )لا إله إلا الله( لا تبقى ذنبا، ولا يسبقها عمل والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، وأن الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، وأن الحج المبرور يطهر صاحبه من الذنوب كيوم ولدته أمه، وأن الدعاء منه ما يعود برضا الله، حتى يصيب العبد به الجنة مع قليل العمل.
وسر ذلك كله الإخلاص. يعني إخلاص العمل لله وحده لا شريك له، لا لشيء آخر سواه، فإذا كان العمل غير مخلص لله لا يقبل، وبالتالي لا يؤثر في أي أثر، ولا يكفر أي ذنب ولا يوجب أي ثواب.
ونظرا " لكثرة دوران كلمة الإخلاص على الألسنة، فقد ادعاها بعض الناس، دون تحقيق ولا تدقيق في معناها.
الإخلاص مقدم على النبوة والرسالة في قوله تعالى: (وَاذكُر فيِ الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيَّا)، وذلك لشرف الإخلاص وفضله، وتقدم وجوده على وجودهما، وكونه سببا في الترشيح لمنصب الرسالة والنبوة.
وحقيقة الإخلاص: تصفية العمل عن ملاحظة الخلق، وتحديد الإرادة بالعمل لله وحده دون شيء آخر سواه، وبهذا المعنى وحده تتحقق نجاة الإنسان من سوء الذنوب وسوء الدنيا بوجه عام، انظر إلى قوله تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصرفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ)، فأنت ترى الإخلاص سببا في صرف السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام، كما أنه سبب لاصطفاء المخلصين للنبوة والرسالة. وحب الله حسب درجات الإخلاص.
فالإخلاص شرط عام في قبول جميع أنواع الطاعات، وكل عمل خلا منه فهو إلى الهلاك أقرب، ففي الحديث المرفوع : )إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه( ولأهمية الإخلاص كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: )من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس(، وكتب سالم بن عبدالله بن عمر، إلى عمر بن عبدالعزيز: )أعلم يا عمر أن عون الله للعبد بقدر نيته، فمن خلصت نيته، تم عون الله له، ومن نقصت نبته نقص عنه من عون الله بقدر ذلك(. ولهذا فليست العبرة بكثرة الأعمال، وكثرة الأدعية بقدر ما هي بالإخلاص فيها، ولو كانت قليلة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل: )أخلص العمل يجزك منه القليل(.
ومراتب الإخلاص ثلاث: الأولى: إخلاص الانبياء والمرسلين والتابعين لهم بإحسان وهو العمل لله وحده دون ملاحظة أي غرض دنيوي ولا أخروي بل لمجرد الحب لله وطاعة أمره.

والثانية: العمل لله وحده ليمنح الله العامل المخلص حظا أخرويا، مثل تكفير الذنوب، والظفر بالجنة.
والثالثة: العمل لله وحده رغبة في حظ دنيوي مباح، كتوسعة الرزق، ودفع المؤذيات.
وما سوى ذلك فهو رياء مذموم، وشرك محبط للأعمال. والرياء المحرم المحبط للعمل هو: العمل لطلب حظ دنيوي، وغلبة هذا الحظ على القلب أثناء العمل وبعده وقبله، وهو على مراتب: أولها: أن يحسن العمل في الظاهر أمام الناس ليحظى بالثناء عند الناس، وبالاشتهار بالصلاح والتقوى.
والثانية: وهي أقبح من الأولى: أن ينشط في العمل أمام الناس، ويكسل إذا كان وحده.
والثالثة: وهي أقبح الكل: أن يجعل صورة الطاعة وسيلة لاكتساب أمر محرم، كأن يجود العمل في الظاهر لتساق إليه الودائع ثم يأخذها لنفسه: أو تقربا من امرأة يحبها.
والرابعة: وهي أخف الجميع: أن يجود العمل لا لتحصيل غرض دنيوي، وإنما خوفا من أن ينظر الناس إليه بعين الاحتقار، ولا يعدوه من الأخيار.
وكله رياء، وقليل الرياء شرك، ولكنه درجات، وكل عمل خالطه الرياء، فلا ثواب له، لما ورد في الخبر: )من عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برىء(. وأخرج ابن جرير مرسلا: )لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من الرياء(. وأخرج الطيالسي في مسنده عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) من صلى مرائيا فقد أشرك، ومن تصدق مرائيا فقد أشرك(. فقال عوف بن مالك لشداد: أفلا يعمد الله إلى ما كان له من ذلك، فيقبله ويدع ما سواه؟ فقال شداد: سمعت رسول الله يقول: )قال الله عز وجل: أنا خير شريك أو قسيم، من أشرك بي فعمله قليله وكثيرة لشريكي وأنا منه برىء(.
فإذا عقد الإنسان نيته على العمل مخلصا لله، ثم طرقه الرياء أثناء العمل فلذلك حالتان: الأولى: أن يكون العمل مما يرتبط آخره بأوله، كالصلاة والصوم ونحوهما، وهذا إذا صحح الإنسان نيته في أوله، ثم طرقه الرياء، فلا شيء عليه إذا حاول دفع الرياء والتخلص منه قدر طاقته.
الثانية: أن يكون العمل مما تستقل أجزاؤه، كالقراءة والأذكار، بدأها مخلصا، ثم طرقه، فلا ثواب لما بعد طروق الرياء.
وإذا عمل العمل مخلصا كما يجب عليه، وبعد الانتهاء منه أثنى الناس عليه فلا يضره، لحديث مسلم: )تلك عاجل بشرى المسلم(.
وقد يعمل الإنسان عملا من أعمال البر خالصا لله، ثم يبطله بعد زمان طويل، وهو لا يشعر.
وذلك كالرجل يصنع الخير مع رجل آخر، يريد به الله وحده، ويمضى زمن طويل، ثم يقصد الرجل الذي صنع المعروف، صاحبه الذي صنع إليه المعروف في حاجة، فلا يقضيها له، فيذكر له أو للناس أو في نفسه نادما: أنه صنع إليه معروفا منذ كذا وكذا سنة، وفي هذه الحالة أفسد نيته الماضية، وأحبط عمله الذي مضى صحيحا وهو لا يشعر.
وكالعالم يريد بعمله وجه الله، فوجد الناس بعد زمن طويل، لا يعدونه بين المجيدين من العلماء فغضب، فأفسد بغضبه نيته، وأبطل إخلاصه وهو لا يشعر.
وعلى هذا وجب على المؤمن أن يراقب نفسه ، وأن يحذر خداعها لئلا تحبط عمله، وأن يحافظ على نيته الصالحة قبل العمل، واثناء العمل، وبعد العمل إلى ما شاء الله من أيام حياته.

الاستكثار من طلب الثوابأقول: قال الله تعالى: (إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ) وذلك لأن الحسنان إذا كثرت رجحت على السيئات في الميزان، فضلا عن أن الحسنة في ذاتها تمحو السيئة.
ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل أبواب الحسنات متعددة وكثيرة جدا، بحيث لا يعجز أي إنسان عن الاستكثار منها، القوى والضعيف، والغني والفقير، والصغير والكبير والعالم والجاهل، كل من هؤلاء له طرق لا تحصى للحصول على الثواب. ويمكن التنبيه إلى: العمل الذي يتعدى نفعه إلى الغير أفضل من العمل القاصر الذي يقتصر نفعه على فاعله وحده. وفي ذلك يقول الله تعالى: ( لاَ خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجوَاهُم إِلاَّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إٍصلاَحٍ، بَينَ النَّاسِ).

يمكن للإنسان أن يحصل على ثواب العمل مرتين، أو يحصل على ثواب بلا عمل بدني ولا مالي. وذلك كما يقول الحارث بن أسد المحاسبي: بأن ينوي الإنسان قبل خروجه من بيته: ألا يجد ضعيفا إلا أعانه، ولا أعمى إلا ارشده إلى الطريق، ولا مريضا يعرفه من المسلمين إلا عاده، ولا جنازة إلا شيعها، ولا منكرا إلا نهى عنه، ولا ملهوفا إلا أغاثه، إلى آخر ما يمكن عمله من أعمال البر، ينوي قبل خروجه أن يصنعه إن استطاع. فإن وجده فصنعه فله أجران: النية، وأجر العمل. وإن لم يجد، أو وجده ولم يستطع أن يصنعه، كأن يعجز ماليا أو صحيا عن العمل، فله أجر النية.
الأعمال العادية التي لا غنى للإنسان عنها، كالطعام والشراب، واللباس، والجماع. يمكن تحويلها إلى أعمال ذات ثواب جزيل، ويمكن تحويلها إلى أعمال ذات إثم شنيع، ويمكن أن تكون أعمالا مهدرة ليس لها ثواب ولا عليها عقاب.
فالطعام والشراب إذا اقترن بنية القوة على العبادة، والسعي في المعاش، وفي مصلحة الأسرة. واللباس إذا اقترن بنية شرح الصدر والتحدث بنعمة الله. والجماع بنية العفة والإعفاف وهكذا بقية الأعمال، كالجلوس مع الإخوان بنية التعاون على البر والتقوى، كانت أعمالا ذات ثواب عظيم.
أما الطعام بنية القوة على البطش والتجبر، واللباس بنية التكبر، والجماع لإذلال الزوجة، والجلوس مع الإخوان للهذر، فكلها أعمال سوء ذات إثم عظيم.
فإن لم تقترن تلك الأعمال بنية مطلقا فهي هدر، لا لها ولا عليها.
إفشاء السلام مشروع لتأصيل الحب بين المسلمين، ولطلب الثواب عليه من الله، وقد يدخل الشيطان على المسلم بخدعة ليبطل ثواب إفشاء السلام، فيلقى في روع الإنسان: إنك لو لم تسلم على فلان لغضب منك، فيسلم عليه لئلا يغضب منه، وحينئذ يفقد المسلم نية طلب الثواب، ولا ثواب له على إفشاء السلام، فالأصل هو: طلب ثواب الله على السلام.
المراد بجميع الآذكار: التحقق بها عملا، لا مجرد الذكر باللسان.
وفقنا الله جميعا إلى مراضية، وجنبنا مكارهه، إنه سميع مجيب. 
 ========